الجمعة، 7 يناير 2022

20--ج3-منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل الفصل الثاني


منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل
الفصل الثاني
 
أجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: أجناس العلل التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني.
المبحث الثاني: أجناس العلل التي لم يذكرها الحاكم وأمثلتها عند الإمام الدارقطني.
المبحث الثالث: أجناس العلل الخفية في المتون.
المبحث الرابع: أجناس العلل الظاهرة.
(1/127)
الفصل الثاني
أجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون
سنتعرض في هذا الفصل لمختلف أجناس العلل الخفية في الإسناد، والتي لا يمكن أن يتعرف عليها الباحث إلا بعد معرفةٍ ثاقبة في علم الرجال، ومقارنة الأسانيد، وتحديد مَدَى اعتبار المخالفة أو التفرد، وجهد جهيد في جمع وسبر الأدلة والبراهين التي ترجح رواية على أخرى، وسوف نسوق أجناس العلل التي ذكرها الإمام أبو عبدالله الحاكم في مصنفه " معرفة علوم الحديث "، ثم أُمثِّل لكل جنس من كتاب العلل للدارقطني، وبعد ذلك نقوم بدراسة وسبر أقوال الإمام الدارقطني في العلل لمعرفة الأنواع التي لم يذكرها الحاكم وهي في كتاب العلل.
المبحث الأول: أجناس العلل التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني:
في هذا المبحث سوف يتم دراسة أجناس العلل المختلفة التي كان نُقَّاد الحديث يشيرون إليها في أحكامهم على الأحاديث المعلَّلة، ولقد جمع الإمام أبو عبدالله الحاكم من مصنفات أهل الحديث في العلل والسؤالات وغيرها عشرة أجناس للعلل المذكورة في مصنفات أهل العلم على سبيل المثال وليس الحصر.
وقد قام جمع من العلماء بعده بذكر هذه العشرة أجناس في مصنفاتهم في علم المصطلح فلم يزيدوا عما ذكره الحاكم من أجناس العلل، فأوهم صنيعهم هذا أنها على سبيل الحصر فمنهم البلقيني في محاسن الاصطلاح (1)، والسيوطي في تدريب الراوي (2)، والعلامة أحمد شاكر في الباعث الحثيث (3)، وأصلُ كلام الحاكم يدل على أنَّ هذه الأجناس، هي مجرد أمثلة
_________
(1) البلقيني: سراج الدين عمر بن رُسلان، محاسن الاصطلاح (مع المقدمة)، (ص 198 - 201).
(2) السيوطي: تدريب الراوي، (ج1 / ص 139 - 140).
(3) أحمد شاكر: الباعث الحثيث، (ص 95 - 100).
(1/129)
لأنواع العلل عند النُّقاد المحدثين، حيث قال: " وبقيت أجناس لم نذكرها وإنَّما جعلناها مثالاً لأحاديث معلولة ليهتدي إليها المتبحر في هذا العلم " (1).
الأجناس التي ذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل
الجنس الأول: أن يَكُون السَّند ظاهر الصِّحة , وفيه من لا يُعرف بالسَّماع ممَّن روى عنه، وقد أعلَّ الإمام الدارقطني بهذه العلة أحاديث كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث روي عن مكحول، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأُمَّة ...)) (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه سليمان التيمي واختلف عنه فرواه: معاذ بن معاذ، عن سليمان التيمي، عن مكحول، عن أبي هريرة. وقيل عنه، عن سليمان التيمي، عن رجل، عن أبي هريرة، ومكحول (3) لم يسمع من أبي هريرة " (4).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني على الرغم من أنَّ السند ظاهره الصحة هي: عدم سماع مكحول من أبي هريرة - رضي الله عنه -، وحجة الإمام الدارقطني في ذلك أنَّ مكحول وهو الشامي لم يثبت سماعه من أبي هريرة رضي الله عنه على الصحيح الراجح، وقد صرح بذلك الأئمة النقاد ومنهم الترمذي، حيث قال: " ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وأبي هند الداري، ويقال إنه لم يسمع من أحد من أصحاب النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إلا من هؤلاء الثلاثة. ومكحول شامي يكنى أبا عبدالله وكان عبداً فأُعتق ". (5)، ولقد أعلَّ النُّقاد المحدثون هذا
_________
(1) أبو عبدالله الحاكم النيسابوري: معرفة علوم الحديث، (ص 113 - 119).
(2) أخرجه أبو داود: في السنن، كتاب السنة، باب في القدر، (ج2/ص 634)، بإسناد ضعيف.
(3) وهو مكحول الشامي أبو عبد الله، ويقال أبو أيوب، ويقال أبو مسلم (ت:100وبضع عشرة هـ)، ثقة فقيه، كثير الإرسال، أخرج له الستة إلا البخاري، تهذيب التهذيب (ج10/ص 258).
(4) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج8/ص289)، سؤال رقم (1576).
(5) الترمذي: في السنن (ج4/ص662)، بعد حديث رقم (2506).
(1/130)
الحديث بنفس العلة.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث طاووس، عن معاذ - رضي الله عنه -: ((أنَّه أُتِيَ وَهُو بِالْيَمَنِ بِأَوْقَاصِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَقَالَ: لَمْ يَامُرْنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِمَا بِشَيْءٍ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة. فرواه: ابن عيينة والحسن بن أبي جعفر، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن معاذ. وكذلك رواه ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة. واختلف عن الثوري فرواه: ابن وهب، عن الثوري، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، عن معاذ بن جبل. ورواه وكيع، عن الثوري، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس أنَّ معاذاً لَمَّا أَتَى اليمن قال: لم أُومَرْ فيها بشئ فأرسله، ومن قال عن معاذ فهو أيضا مرسل؛ لأنَّ طاووساً لم يسمع من معاذ " (2).
قلتُ: ووجه العلة في الحديث التي أشار إليها الدارقطني على الرغم من صحة السند في الظاهر هي: عدم سماع طاووس (3) من معاذ. وحجة الدارقطني في ذلك التاريخ، فبين معاذ وطاووس مفاوز تنقطع بها أعناق الإبل، حيث إنَّ طاووس بن كيسان مات رحمه الله سنة ست ومائة هجرية (106هـ) (4)، ومات معاذ بن جبل رضي الله عنه على الراجح سنة ثمان عشر من الهجرة (18هـ) (5)، وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة، فظهر أن طاووس لم يدرك معاذ بن
_________
(1) أخرجه على الوجه المعلول: الإمام أحمد في المسند، (ج5 / ص230)، برقم (22063)، من طريق حماد بن زيد، ثنا عمرو بن دينار، عن طاووس، عن معاذ بن جبل، بلفظ: " قال لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقاص البقر شيئا "، والأوقاص هي ما دون الثلاثين منها.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج6 / ص66)، سؤال رقم (984).
(3) هو طاووس بن كيسان الفارسي، الفقيه، القدوة، عالم اليمن، أبو عبد الرحمن الفارسي، ثم اليمني، الجندي، الحافظ، كان من أبناء الفُرس الذين جهزهم كسرى لأخذ اليمن له، فقيل: هو مولى بحير بن ريسان الحميري، وقيل: بل ولاؤه لهمدان (ت: 105 أو 106هـ) بمكة المكرمة رحمه الله، أنظر الذهبي: سير أعلام النبلاء، (ج9 / ص38).
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء (ج9/ص45 - 46)، ترجمة رقم (13).
(5) المصدر السابق: (ج1 / ص409)، ترجمة رقم (86).
(1/131)
جبل، أنظر لدقة الحكم، وسعة العلم.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا)) الحديث (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه عبدالله بن سعيد بن أبي هند واختلف عن نافع فرواه: أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى. ورواه سويد بن عبدالعزيز، عن عبيدالله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي موسى ووهم فيه في موضعين: في قوله سعيد المقبري، وإنَّما هو سعيد بن أبي هند، وفي تركه نافعاً في الإسناد. ورواه عبدالله بن عمر العُمري، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند عن رجل، عن أبي موسى وهو أشبه بالصواب؛ لأنَّ سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى شيئاً، وقال أسامة ابن زيد، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي مرة مولى عقيل، عن أبي موسى في حديث النَّهي عن اللعب بالنرد، وهو الصحيح. وهذا يقوي قول العُمري، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل والله أعلم " (2).
قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني على الرغم من صحة السند في الظاهر هي: عدم سماع سعيد بن أبي هند (3) من أبي موسى، وحجة الإمام الدارقطني التاريخ
_________
(1) أخرجه على الوجه الصحيح: الإمام أحمد في المسند، (ج4 / ص392)، برقم (19521)، من طريق سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وبهذا يكون الإسناد ضعيف للجهالة، ولكن الحديث ثابت من أوجه أخري وله شواهد، وأخرجه النَّسائي على الوجه المعلول في السنن، كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال، (ج8 / ص540)، برقم (5163)، من طريق نَافِعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج7 / ص241 - 242)، سؤال رقم (1320).
(3) هو سعيد بن أبى هند الفزاري مولاهم، مولى سمرة بن جندب (ت:116 هـ)، (وهو والد عبدالله بن سعيد بن أبى هند)، ثقة مشهور بالعلم، أخرج له الستة، وروى البخاري عن رجل عنه وهي من عوالي البخاري، أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي (ج9/ ص7)، ترجمة رقم (6).
(1/132)
حيث أنَّ سعيد بن أبي هند مات رحمه الله سنة ستة عشر ومائة (116هـ)، أو ما بعدها، وأبو موسى الأشعري وهو عبدالله بن قيس مات رضي الله عنه على الراجح من الأقوال سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ عَلَى الصَّحِيْح (1)، فكيف سمع سعيد بن أبي هندٍ منه وبينهما هذه المفاوز؟، فظهر أنَّ الأئمة لم يكن قولهم مجرد قول، بل كان معهم براهين ساطعة.
الجنس الثاني: أن يَكُونَ الحديث مُرْسلاً من وجه , رواه الثِّقات الحُفَّاظ , ويُسْند من وجهٍ ظاهره الصِّحة.
وقد أعل الإمام الدارقطني بهذه العلة جملة من الأحاديث نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي هريرة عن عمر - رضي الله عنهم -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أنَّهُ سَأَلَهُ أَنَعْمَلُ فِي شِئٍ نَاتَنِفُهُ أَمْ فِي شَئٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، قَالَ بَلْ فِي شَئٍ فُرِغَ مِنْهُ)) (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه أبو ضمرة بن عياض، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن عمر، وخالفه يحيى القطان رواه عن الأوزاعي عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أنَّ عمر، لم يذكر أبا هريرة. وكذلك يونس بن يزيد، عن الزهري، ورواه الزبيدي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر. وخالفهم صالح بن أبي الأخضر، رواه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمر. ورواه عقيل، عن الزهري مرسلاً عن عمر. والمرسل أصح " (3).
_________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء، (ج3 /ص350).
(2) أخرجه: الإمام أحمد في المسند، (ج2 / ص52)، برقم (5140) (ج2 / ص77)، برقم (5481)، الترمذي في السنن، كتاب القدر، باب ما جاء في الشقاء والسعادة، (ج4 / ص445) كلاهما من طريق عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ به، ولكن إسناده ضعيف لضعف عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ، تهذيب التهذيب (ج5 / ص42).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2 / ص91)، سؤال رقم (134).
(1/133)
قلتُ: وهذا النوع من أنواع العلة يعتمد على مخالفة الثقة الذي أسند الحديث (أي رفعه) جمع من الثقات، أو من هو أوثق منه، وفي هذا المثال نجد أنَّ الدارقطني قد أعل الحديث؛ لأنَّ أبو ضمرة بن عياض وهو من الثقات (1)، رواه فأسند الحديث فقال: " عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة "، فأخطأ، وذلك لمخالفته الثقات الذين رووه مرسلاً، منهم يحيى بن سعيد القطان وهو من الحفاظ الأثبات (2)، وكذلك خالف يونس بن يزيد وهو الأيلي (3)، عن الزهري، وهو من أثبت الناس في الزهري، فأصبح المرسل أصح من المرفوع، وبهذا صار الحديث معلولاً بالإرسال.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث عمر بن علي ابن أبي طالب عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاً يَرَى الْغَائِبُ)) (4).
فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه الثوري، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، فأرسله يحيى القطان، عن الثوري، عن محمد بن عمر، عن جده علي. وأسنده أبو نعيم، عن الثوري، فقال عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه عن علي. واختلف عن أبي نعيم، والمرسل أصح " (5).
_________
(1) وهو الإمام، المحدث، الصدوق المعمر، بقية المشايخ، أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي، المدني (ت: 200هـ)، أخرج له الستة، أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي، (ج17/ ص87).
(2) وهو الإمام الكبير، أمير المؤمنين في الحديث، أبو سعيد التميمي مولاهم، البصري، الأحول، القطان، الحافظ (ت: 198هـ)، وهو من كبار نُقاد الحديث وكان لا يحدث إلا عن ثقة، أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي، (ج17 / ص185).
(3) وهو الإمام، الثقة، المحدث، أبو يزيد الأيلي، مولى معاوية بن أبي سفيان الأموي، وهو أخو أبي علي، وعم عنبسة بن خالد (ت:159هـ)، سير أعلام النبلاء للذهبي (ج11/ص 126).
(4) أخرجه على الوجه الصحيح المرسل: الإمام أحمد في المسند، (ج1 / ص83)، برقم (628)، من طريق حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي رضي الله عنه.
(5) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج4 / ص58)، سؤال رقم (429).
(1/134)
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هي كالمثال السابق علة الإرسال، حيث أنَّ الحديث أسنده أبو نعيم وهو الفضل بن دكين (1) - وهو من الثقات الأثبات - عن الثوري فأخطأ، فرجح الدارقطني المرسل على المسند، وحجته في ذلك أنَّ محمد بن عمر وهو ابن علي بن أبي طالب لم يدرك جده (2)، وقد عُلم ذلك بالتصريح وبالتاريخ (3) ويضاف إلى ذلك مخالفة أبو نعيم ليحي بن سعيد القطان فرواه مرسلاً كذلك، وهو أثبت الناس في سفيان (4)، فأصبح الحديثُ مُعَلاًّ بالإرسالِ.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أُتِيَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بسارق قد سرق شملة فقالوا: يا رسُول الله إن هذا سرق، فقال: " اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ اتوُنِي بِهِ " فَقَالَ لَهُ: " تُبْ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "، قَالَ: تُبْتُ، قَالَ: " تَابَ اللهُ عَلَيْكَ ")) (5).
_________
(1) وهو أبو نعيم الفضل بن دكين التيمي الطلحي الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، الفضل بن عمرو ابن حماد بن زهير بن درهم، التيمي، الطلحي، القرشي مولاهم، الكوفي (ت:219هـ)،من الثقات الأثبات وأخرج له الستة، وحدث عنه: البخاري كثيرا، وهو من كبار مشيخته، ويعد ممن أوصل البخاري لأتباع التابعين، بالسند العالي الثلاثي، سير أعلام النبلاء للذهبي (ج19/ ص122).
(2) وهو محمد بن عمر بن على بن أبى طالب القرشي الهاشمى، أبو عبد الله المدني (وأمه أم عبدالله أسماء بنت عقيل بن أبى طالب) (ت: 130هـ)، هو ثقة روى له أصحاب السنن، تهذيب التهذيب (ج9 / ص321).
(3) المصدر السابق (ج9 / ص 322).
(4) ابن رجب: شرح علل الترمذي، (ص381).
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك على الوجه المعلول موصولاً (ج4 / ص422)، برقم (8150)، من طريق عبدالعزيز بن محمد، أخبرني يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه به، وقال صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص، قلتُ: لم يخرج مسلم رحمه الله بهذه الترجمة شيء في صحيحه، بل قد أخرج لعبدالعزيز ابن محمد وهو الدراوردي، عن غير يزيد بن خصيفة في الصحيح، فلم يكن على النسق، فانتفى أن يكون على شرط مسلم، ويضاف إلى ذلك إعلال أهل العلم له بالإرسال.
(1/135)
فقال - الدارقطني -: يرويه يزيد بن خصيفة، عن ابن ثوبان، عن أبي هريرة، واختلف عن الدراوردي فرواه: عبدالله بن عبدالوهاب الحجبي ويعقوب الدورقي، عن الدراوردي متصلاً، وخالفهما سريج بن يونس وسعيد بن منصور، فروياه عن الدراوردي مرسلاً، لم يذكرا فيه أبا هريرة.
وكذلك رواه ابن عيينة والثوري، وابن جريج وإسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة مرسلاً، ورواه سيف بن محمد، عن الثوري متصلاً، والمرسل أصح (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هي كالمثال السابق علة الإرسال، فهذا على الرغم من أنَّ الإسناد ظاهره الصحة، إلا أنَّ الدارقطني رجح أنَّه معلول بالإرسال، وحجته في ذلك أنَّ الذين رووه مرسلاً أوثق ممن رواه متصلاً.
الجنس الثالث: أن يَكُون الحديث محفُوظاً عن صحابي , ويروى عن غيره , لاختلاف بلاد رُواته , كرواية المَدنيين عن الكُوفيين.
وأصل سبب هذه العلة الخطأ في رواية قومٍ ضُعِّفُوا في رواية قومٍ ليسوا من أهل بلادهم أو لقرائن أو أسباب تقتضي ضعف رواياتهم، مثل رواية إسماعيل بن عياش (2)، وهو شامي، فإذا روى عن المدنيين أخطأ، وروايته عن أهل بلده صحيحة، وذلك لأسباب وقرائن ذكرها النُّقاد، وقد يكون العكس مثل رواية أهل البصرة عن معمر بن راشد (3) وهو بصري الأصل ضعيفة، فإنَّهُ كان يخطأ بالبصرة، ولكن رواية أهل اليمن عنه صحيحة، وعلى هذا قد يروون
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج10 / ص65 - 66)، سؤال رقم (1871).
(2) إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، أبو عتبة الحمصي (ت: 181هـ)، أخرج له البخاري والأربعة، ثقة في الشاميين، ضعيف فيما عداهم، تهذيب التهذيب (ج1 / ص280 - 284).
(3) وهو معمر بن راشد الأزدي الحداني مولاهم، أبو عروة بن أبي عمرو البصري، سكن اليمن شهد جنازة الحسن البصري (ت:154هـ)، وأخرج له الستة، ثقة ثبت فاضل، إلا أنَّ في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدث به بالبصرة، تهذيب التهذيب (ج10 / ص218 - 220).
(1/136)
حديثاً محفوظاً عن صحابي، فينسبونه لغيره، وقد أعل الإمام الدارقطني بهذه العلة جملة من الأحاديث، نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث نافع، عن بن عمر، عن عمر - رضي الله عنهم - أنَّهُ: ((خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَى حُلَّةٌ سِيَرَاءَ تُبَاعُ ...)) (1).
فقال - الدارقطني -: رواه القاسم بن يحيى المقدمي، وعلى بن مسهر، وابن نمير وسعيد بن بشير، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر. وغيرهم يرويه عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ عُمر خرج إلى السوق، فيصير من مسند ابن عمر، وكذلك رواه مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وأصحاب نافع، عن ابن عمر أنَّ عُمر. وكذلك رواه سالم، وعبدالله بن دينار، عن ابن عمر أنَّ عُمر. وهو الصواب. وروى عن ابن سيرين واختلف عنه، فرواه هشام بن حسان وأيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عمر أنَّ عمر، واختلف عن أيوب فأرسله حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد أنَّ عُمر، لم يذكر ابن عمر. ورواه أبو جميع سالم بن راشد (2)، عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنَّ عمر ووهم في ذكر أبي هريرة، وحديث هشام وأيوب أصح" (3)
_________
(1) أخرجه على الوجه الصحيح البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب اللباس، باب الحرير للنِّساء (ج10 / ص336)، برقم (5841)، من طريق موسى بن إسماعيل قال: حدثني جويرية عن نافع عن عبدالله: أنَّ عُمر رضي الله عنهم به، وغيره، وحلةٌ سِيَرَاء: نوع من البرود يخالطه حرير كالسُّيُور، قاله قال ابن منظور في اللسانِ نقلاً عن ابن الأثير "، (ج4/ص389).
(2) وهو سالم بن دينار، ويقال: ابن راشد، التميمي، ويقال الهجيمي، أبو جميع القزاز البصري مولى الحارث بن سليم، (ت:؟) من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين، وثقه ابن معين، ولينه أبو زرعة، وخلاصة القول فيه مقبول، كما في تهذيب التهذيب (ج3 / ص 376).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2 / ص11 - 12)، سؤال رقم (85).
(1/137)
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هنا هي: أنَّ الحديث محفوظ عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم أتى أبو جميع سالم بن راشد فرواه عن أبي هريرة وليس هو من مسند أبي هريرة، فكانت هذه الرواية معلولة، وقد رجَّح الدارقطني رواية هشام، وأيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عمر أنَّ عُمر به.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أنس بن مالك عن أبي طلحة - رضي الله عنه -: ((أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرَاً فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْعَلُهَا خَلاَّ؟ قَالَ: لاَ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه الثوري وإسرائيل، عن السُّدي، عن أبي هُبَيرة، عن أنس، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وخالفهما قيس فرواه عن السُّدي، عن أبي هبيرة عن أنس، عن أبي طلحة جعله من مسند أبي طلحة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك رواه ليث بن أبي سليم، عن أبي هبيرة يحيى بن عباد، عن أنس عن أبي طلحة والصحيح قول الثوري وإسرائيل (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هنا هي أنَّ الحديث محفوظ عن أنس بن مالك رضى الله عنه، وخالفهما قيس وهو ابن ربيع (3):
فرواه عن السُّدي، عن أبي هبيرة عن أنس، عن أبي طلحة جعله من مسند أبي طلحة، فأخطأ، ولذا رجَّح الدارقطني من رواه من مسند أنس وهو الصحيح.
_________
(1) أخرجه على الوجه الصحيح أبو داود: في السنن، كتاب الأشربة، باب ما جاب في الخمر تُخَلَّل، (ج2 / ص351)، برقم (3675).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج6 / ص12 - 13)، سؤال رقم (946).
(3) قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي من ولد قيس بن الحارث ويقال الحارث بن قيس الأسدي من الطبقة السابعة، من كبار أتباع التابعين (ت: 165 أو166هـ)، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه، خلاصة القول فيه: أنه صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، تهذيب التهذيب (ج8 / ص350 - 353).
(1/138)
الجنس الرَّابع: أن يَكُون محفُوظًا عن صحابي , فيُروى عن تابعي , يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبتهُ.
وقد أعل الإمام الدارقطني بهذه العلة قليلاً من الأحاديث، نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث جابر بن عبدالله عن أبي قتادة - رضي الله عنهم -: ((أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ)) (1).
فقال - الدارقطني -: كذلك رواه ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة وليس بمحفوظ. والحديث مشهور عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد عن جابر - رضي الله عنهم -: ((نَهَى رسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلَهَا)) " (2).
قلتُ: وواضحٌ من كلام الدارقطني أن الحديث لم يثبت عن أبي قتادة، وإنِّما هو محفوظ من حديث جابر بن عبدالله، وأعله الترمذي كذلك بنفس العلة كما ذكرنا.
المثال الثاني:: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث طويل فيه فضل من اقتصر على أداء الفرائض دون النوافل.
فقال - الدارقطني -: هو حديث اختلف فيه على الزهري، فرواه إبراهيم بن سعد عن الزهري، عن أبي الطفيل. وخالفه إبراهيم بن زياد القرشي من أهل الجزيرة، فرواه: عن الزهري، عن أنس بن مالك. وخالفهما معمر وغيره، فرووه: عن الزهري مرسلاً وهو
_________
(1) أخرجه على الوجه المعلول الترمذي: في السنن، كتاب الطهارة، باب ما جاء من الرخصة في ذلك، (ج1 / ص15)، برقم (10). فقال الترمذي: " وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة، أنه رأى النبي صلى اللهم عليه وسلم يبول مستقبل القبلة حدثنا بذلك قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، وحديث جابر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث ابن لهيعة وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه ".
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج6 / ص166)، سؤال رقم (1047).
(1/139)
المحفوظ. قال - الدارقطني -: أبي الطفيل (1) رأي النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وصحبه، فأما السَّماع فالله أعلم " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هنا هي عدم ثبوت سماع أبو الطفيل عامر بن واثلة هذا الحديث من النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رغم أنه رآه، والحجة في ذلك أنَّ أبا الطفيل ليس له تحديث عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ من غير واسطة إلا أحاديث تعد، وبعد سبر أحاديثه في دواوين السنة المشهورة، لم أجد منها إلا ستة أحاديث صحيحة ولا تزيد على ذلك، والله أعلم.
وأما الحديث الذي ذكره الإمام الدارقطني فقد أخرجه الإمام أحمد في المسند فقال: "حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: ((أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَلَمَّا جَاوَزَهُمْ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْغِضُ هَذَا فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَهْلُ الْمَجْلِسِ بِئْسَ وَاللَّهِ مَا قُلْتَ أَمَا وَاللَّهِ لَنُنَبِّئَنَّهُ، قُمْ يَا فُلانُ رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَخْبِرْهُ، قَالَ: فَأَدْرَكَهُ رَسُولُهُمْ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَرَرْتُ بِمَجْلِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ فُلانٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا السَّلاَمَ فَلَمَّا جَاوَزْتُهُمْ، أَدْرَكَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فُلانًا قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْغِضُ هَذَا الرَّجُلَ فِي اللَّهِ فَادْعُهُ فَسَلْهُ عَلَى مَا يُبْغِضُنِي، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَقَالَ: قَدْ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِمَ تُبْغِضُهُ؟، قَالَ: أَنَا جَارُهُ وَأَنَا بِهِ خَابِرٌ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّي صَلاَةً قَطُّ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، قَالَ: الرَّجُلُ سَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَآنِي قَطُّ أَخَّرْتُهَا عَنْ وَقْتِهَا؟، أَوْ أَسَاتُ الْوُضُوءَ لَهَا؟، أَوْ أَسَاتُ الرُّكُوعَ
وَالسُّجُودَ فِيهَا؟، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لاَ ...)) " الحديث بطوله (3).
_________
(1) هو عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ الكِنَانِيُّ خَاتَمُ مَنْ رَأَى رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا، أخرج له الستة، (ت: 110هـ)، رأى النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وهو في حجة الوداع وهو يستلم الركن بمحجنه، ثم يقبل المحجن، روي عن أبي الطفيل، قال: أدركت من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين، سير أعلاء النبلاء (ج5 / ص 466 - 467).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج7 / ص41 - 42)، سؤال رقم (1197).
(3) الإمام أحمد: المسند، (ج5 / ص506)، برقم (23854).
(1/140)
وقد أشار الدارقطني أنَّه معلول بعلة عدم سماع أبي الطفيل من النَّبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث، ولم يتفرد الدارقطني بهذا الحكم، بل سبقه إليه عبدالله بن الإمام أحمد فقال: " بلغني أنَّ إبراهيم بن سعد حدث بهذا الحديث من حفظه وقال: عن أبي الطفيل حدث به ابنه يعقوب عن أبيه، فلم يذكر أبا الطفيل فأحسبه وهم، والصحيح رواية يعقوب، والله أعلم " (1).
الجنس الخامس: أن يكُون رُوِي بالعنعنة , وسقط منه رجل دلَّ عليه طريق أخرى محفوظة.
وقد أعل الإمام الدارقطني بهذه العلة جملة من الأحاديث، نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث ابن عباس عن عمر - رضي الله عنهم -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ((فِي التَّغْليِظِ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيْتِ)) (2).
فقال - الدارقطني -: هو حديث رواه عمرو بن دينار واختلف عنه، فرواه محمد بن مسلم الطائفي وورقاء بن عمر، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن عمر قصراً بإسنادهِ؛ لأنَّ عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس، وإِنَّما سمعه من ابن أبي مليكة عنه، كذلك رواه سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، عن عمر، وكذلك رواه أيوب السختياني، وعبد الملك بن جريج، ونافع بن عمر أبو عامر الخزاز، ورباح بن أبي معروف، وعبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، عن عمر، وهو حديث صحيح من رواية عمرو بن دينار، وأيوب وابن جريج، ونافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة.
_________
(1) المصدر السابق، (ج5 / ص506).
(2) أخرجاه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الجنائز، باب قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يُعذب الميت ببعض بكاء أهله، (ج3 / ص182)، برقم (1286)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (ج3/ ص501)، برقم (928) كلاهما من طريق ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنهم.
(1/141)
حدثنا أبو بكر يعقوب بن إبراهيم البزاز حدثنا الحسن بن عرفة، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبدالله بن أبي مليكة، قال: كنَّا في جنازة أم أبان بنت عثمان فبكى النساء، فقال: ابن عمر لا تبكين فإنَّ بكاء الحي على الميت عذاب للميت فقال: ابن عباس سرنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فلمَّا كنَّا بالبيداء إذا نحن نزول، فقال: عمر أذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ قال جئت فإذا صهيب مولى ابن جدعان، فقال: مُرْهُ فليلحق بنا، فلمَّا قدمنا المدينة طُعِنَ عمر، فقال: صهيب وأخاه واصاحباه! فقال: عمر مه يا صهيب! إنَّ بكاء الحي على الميت عذاب عليه، فأتيت عائشة فذكرت ذلك لها، فَقَالتْ: رحم الله عمر إنَّما قالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الْكَافِرَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ لَقَدْ قَضَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أن لاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) " (1)
قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الدارقطني واضحة في عدم ثبوت سماع عمرو بن دينار هذا الحديث من ابن عباس، بل ثبت العكس من وجه صحيح، أنَّه سمعه بواسطة ابن أبي مليكة، فصار معلولاً بهذا الجنس الذي ذكره أبو عبدالله الحاكم، وحجة الدارقطني في ذلك، الرواية التي أوردها عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة به.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عبدالرحمن بن يعقوب، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّارًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلاَثًا فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَاقْتُلُوهُنَّ)) (2).
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج2/ص77 - 78)، رقم السؤال (122).
(2) أخرجه على الوجه المعلول الترمذي: في السنن، كتاب الصيد، باب ما جاء في قتل الحيَّات، (ج4 / ص77)، برقم (1484). ثم قال الإمام الترمذي: " هكذا روى عبيد الله بن عمر هذا الحديث عن صيفي، عن أبي سعيد الخدري وروى مالك بن أنس هذا، عن صيفي، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث قصة، حدثنا بذلك الأنصاري، حدثنا معن، حدثنا مالك وهذا أصح عن حديث عبيد الله بن عمر. وروى محمد ابن عجلان، عن صيفي نحو رواية مالك "، فأيد بذلك حكم الدارقطني على الحديث.
(1/142)
فقال - الدارقطني -: حدث به عبيد الله بن عمر، واختلف عنه، فرواه: عبدة بن سليمان، عن عبيدالله بن عمر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، حدث به الحسن بن سهل الحناط، عن عبدة هكذا.
وخالفه عبدالله بن نمير، فرواه: عن عبيدالله بن عمر، عن صيفي (1)، عن أبي سعيد الخدري، وصيفي لم يسمعه من أبي سعيد.
ورواه ابن عيينة عن ابن عجلان فقال: عن صيفي مولى أبي السائب، عن أبي سعيد، وهو وهم، والصواب ما رواه يحيى بن سعيد القطان، والليث بن سعد، عن ابن عجلان عن صيفي، عن أبي السائب، عن أبي سعيد، وكذلك رواه مالك بن أنس، عن صيفي عن أبي السائب، عن أبي سعيد، وهو الصواب " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هو الوهم والخطأ الذي وقع فيه عبيدالله بن عمر والحمل فيه عليه كما نبه غير واحد، أنَّه قال: " عن صيفي، عن أبي سعيد "، والصحيح أنَّه رواه بواسطة أبي السائب، عن أبي سعيد، وحجة الدارقطني الرواية التي أوردها عن مالك بن أنس، عن صيفي، عن أبي السائب، عن أبي سعيد، وهي أصح من رواية عبيدالله بن عمر.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث كميل بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: ((كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَثَا بِكَفِّهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ثُمَّ مَشَى سَاعَةً فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ...))، فذكر الحديث، وفيه
_________
(1) وهو صيفى بن زياد الأنصارى مولاهم، أبو زياد، ويقال أبو سعيد المدنى (ت:؟)، ثقة من الطبقة الرابعة، التي تلى الوسطى من التابعين، أخرج له (مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي) كما في تهذيب التهذيب (ج4 / ص387).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ ص277 - 279)، رقم السؤال (2283).
(1/143)
أَتَدْرِي مَا حَقُ اللهِ عَلَى العَبْدِ ... "الحديث (1)
فقال - الدارقطني -: يرويه أبو إسحاق السبيعي واختلف عنه فرواه إسرائيل، وأبو الأحوص، وعمار بن رزيق، وأبو بكر بن عياش، وأبو أيوب الأفريقي، عن أبي إسحاق، عن كميل، عن أبي هريرة والأول أصح. وروى هذا الحديث عبدالرحمن بن عابس سمعه من كميل بن زياد (2)، عن أبي هريرة ويشبه أن يكون أبو إسحاق لم يسمعه من كميل، وإنَّما أخذه عن عبدالرحمن بن عابس عنه " (3).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني وهي عدم ثبوت سماع أبي إسحاق وهو السبيعي هذا الحديث من كميل بن زياد مباشرةً، بل أخذه عن عبدالرحمن بن عابس عنه وحجة الدارقطني أنَّ الحديث ثبت من طريق أخرى محفوظة عن عبدالرحمن بن عابس عن كميل بن زياد، وبهذا أعلَّ الحديث.
وقد أعلَّ الإمام الدارقطني بهذه العلة عدة أحاديث أخرى، فمن أراد الرجوع إليها فليرجع من باب الفائدة (4).
الجنس السَّادس: أن يختلف على رجل بالإسْنَاد وغيره , ويكُون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد.
كذا قال أبو عبدالله الحاكم، وهذا كلامٌ غامضٌ إلا أنَّ المثال الذي ضربه أوضح ما قصده في هذه العلة: أنَّ الحديث قد يُروى مرةً بإسنادٍ يُوهِم الاتصال، والصحيح المحفوظ أنَّهُ
_________
(1) أخرجه على الوجه المعلول الإمام أحمد: في المسند، (ج2 / ص435)، برقم (8071)، من طريق أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
(2) وهو كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ بن نهيك بن الهيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع، (ت: 82هـ)، ثقة أخرج له النَّسائي، تهذيب التهذيب (ج8 / ص402).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج8/ص282 - 283)، برقم السؤال (1569).
(4) أبو الحسن الدارقطني: في العلل، أرقام السؤالات:} (155)، (279)، (347)، (404) (407)، (456)، (662)، (766)، (958)، (1012)، (1105)، (1115)، (1373)، (1996) {.
(1/144)
منقطعٌ أو معضلٌ أو مرسلٌ، وهو معنى قوله: " ويكُونُ المحفوظ عنه ما قابل الإسناد " أي أنَّ الصحيح المحفوظ عند الثقات غير المسند.
وقد أعل الإمام الدارقطني بهذه العلة بعض الأحاديث، نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي بكر بن حزم، عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: ((سَأَلُوا رسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: إنَّا لَنَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا شَيْئَاً لأَنْ يَهْوي أَحَدَنَا مِنَ الرُّبَا أَحَبُ إِلَيهِ أَنْ يَتَكَلَّم بِهِ، فَقَالَ: رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَلِكَ مَحْضُ الإِيمَانِ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري، واختلف عنه، فرواه إبراهيم بن سعد عن الزهري، عن يحيى بن عمارة المازني أنَّه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عنه جماعة من أصحابه.
ورواه أبو داود الطيالسي، عن إبراهيم بن سعد، فزاد فيه رجلا وجعله مسنداً، فقال عن الزهري، عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن، عن عمه، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وعمه عمرو بن أبي حسن وله صحبة ... " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني أنَّ الحديث اختلف فيه عن الزهري، فرواه عنه إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن يحيى بن عمارة المازني أنَّه بلغه عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أي أنَّه غير متصل، وتابعه على هذا الوجه جماعة من أصحاب الزهري، ثم رواه أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فزاد فيه رجلاً وجعله مسنداً، والمحفوظ خلاف ذلك، وهذا ما رجَّحه الدارقطني لهذا السبب.
_________
(1) أخرجه من وجه آخر مجمل مسلم: في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)،كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان، (ج1/ص430)، برقم (133)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ ص352 - 353)، برقم السؤال (2335).
(1/145)
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر - رضي الله عنه - ((أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَنَّى الْمُغِيرَةَ أَبَا عِيسَى)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه خالد بن الحارث عن حبيب بن الشهيد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر مسنداً، وخالفه حماد بن سلمة وغيره فرووه عن زيد بن أسلم مرسلاً عن عمر والأشبه قول من أرسله (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني أنَّ الحديث اختلف فيه عن زيد بن أسلم فرواه حبيب بن الشهيد مسنداً، وخالفه حماد بن سلمة فرواه مرسلاً، وتابعه جماعة على المرسل، فرجَّح الدارقطني أنَّ المحفوظ هو المرسل (أي غير المسند).
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عبيدة عن علي - رضي الله عنه - قال: كنت عند النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذ جيء بهذا الغلام يعني ابن الزبير إلى أبيه وهو عند النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفيه: عن النَّبيِّ صَلَّى - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ المِسْلِمِينَ يَمُوتُ بَيْنَهُمَا ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ...)) الحديث (3).
_________
(1) أخرجه على الوجه المعلول ابن أبي عاصم: عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، (ت: 287هـ)، في الآحاد والمثاني، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: يحيى مراد، سنة 2003م (ج2 / ص338)، برقم (698)، من طريق حبيب بن الشهيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: دعا عمر رضي الله عنه، نحوه.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج2/ص144)، برقم السؤال (169).
(3) أخرجاه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسب، (ج3 / ص138)، برقم (1248)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، (ج8 / ص430)، برقم (2635)، بألفاظ مختلفة، ليس فيها قصة ابن الزبير.
(1/146)
فقال - الدارقطني -: رواه هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي تفرد به إسحاق بن الضيف (1)، عن أبي عاصم، عن هشام متصلاً مسنداً، وأرسله غيره عن هشام، ورواه يونس بن عبيد من رواية عبدالحكيم بن منصور عنه، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن ابن الزبير، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، والمرسل هو الصحيح " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني أنَّ الحديث اختلف فيه عن هشام بن حسان، أسنده إسحاق بن الضيف فأخطأ، والصحيح أنّهُ مرسل.
والفرق بين هذا الجنس وبين الجنس الثاني هو أنَّه أخص منهُ، فإنَّك ترى الجنس الثاني خاص بالمرسل الصحيح، والجنس السادس أعم، فيخص كل انقطاع في الإسناد، سواء كان بالإعضال أو مجرد انقطاع أو إرسال أو بلاغ أو غير ذلك.
الجنس السَّابع: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه، أو تجهيله.
وهذا النوع عبارة عن قسمين:
القسم الأول: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه: وهذه العلة تنشأ عن خطأ الراوي في تسمية شيخه، وهي كثيرة في كتب العلل، ولا سيما في كتاب العلل للدارقطني، والأمثلة الآتية نصوص من الإجابات سوف توضح نوع هذا القسم:
المثال الأول: قال الإمام الدارقطني: " قال ابن بكير: ابن أبي أويس، قال أبو بكر: أخطأ أبو صالح في قوله: ابن أبي أنس، وإنَّما هو ابن أبي أويس، واسمه نافع، عم مالك ابن أنس " (3).
_________
(1) وهو إسحاق بن الضيف، ويقال إسحاق بن إبراهيم بن الضيف الباهلي، أبو يعقوب العسكري، البصري (نزيل مصر) (ت:؟)، صدوق من الطبقة: الحادية عشر، من أوساط الآخذين عن تبع الأتباع روى له: أبو داود، تهذيب التهذيب (ج1/ص 208).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج4 /ص34 - 35)، برقم السؤال (420).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10 /ص79)، برقم السؤال (352).
(1/147)
المثال الثاني: قال الإمام الدارقطني: " وقال معمر: عن الزهري، عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري، وقال ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل لسفيان: إنَّ معمراً يقوله عن عطاء بن يزيد، فقال: أخطأ معمر، قال: ذلك الحميدي عن ابن عيينة.
ورواه عباس البحراني، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد، وهذا خطأ من عباس " (1).
المثال الثالث: قال الإمام الدارقطني: " واختلف عن هشام فقيل عنه، عن أبي معاوية عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن مسروق، عن أبي بكر، وذكر الشعبي وهم، وإنمَّا هو أبو إسحاق السبيعي، وأما رواية أبي أسامة، عن زكريا ورواية أشعث بن عبدالله عن زكريا فإنهما اتفقا على زكريا، عن أبي إسحاق، عن مسروق بن الأجدع، عن أبي بكر قال ذلك إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن أبي أسامة، عن زكريا " (2).
المثال الرابع: قال الإمام الدارقطني: " وخالفه سفيان بن عيينة فرواه عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن عبدالرحمن بن يربوع، عن جبير بن الحويرث، عن أبي بكر. وقول ابن عيينة أصح على أنَّه قد وهم في قوله سعيد بن عبدالرحمن بن يربوع، وإنما هو عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع (3) " (4).
_________
(1) المصدر السابق، (ج11 /ص284 - 285)، برقم السؤال (2286).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج1 /ص198)، برقم السؤال (17).
(3) وهو عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع بن عنكثة القرشي المخزومي، أبو محمد المدني (أبوه من مسلمة الفتح)، (ت:؟)، ثقة من الطبقة الثالثة، من الوسطى من التابعين، أخرج له أبو داود، تهذيب التهذيب (ج12/ ص270).
(4) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج1 /ص273)، برقم السؤال (64).
(1/148)
المثال الخامس: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث ابن عباس عن عمر في المتظاهرين، فقال - الدارقطني -: حدَّث به مرزوق بن أبي الهذيل، عن الزهري فقال: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمر، ووهم في نسبه، وإنما هو عبيدالله بن عبدالله بن أبي ثور، كذلك رواه الحفاظ عن الزهري ولهذا الحديث طرق كثيرة عن ابن عباس، عن عمر صحاح " (1).
قلتُ: وهذا القسم عِلَّته واضحة، وقد وقع في هذه الأخطاء أجِلَّةٌ كبارٌ من الحفاظ والأئمة، ولا ضير فإنَّ جميع البشر بحكم بشريتهم يقع منهم الوهم والخطأ والنسيان، ولكن متى نُضَعِّفُ الضعيف، ونُثْبِت ثقة الثقة؟، لا يكون ذلك إلا بالقرائن والأدلة، ومدى كثرة وقلة المخالفة أو الخطأ أو الوهم أو التفرد عند الراوي، وهذا هو المعيار الذي يدل على ضعف الراوي وعدم حفظه من ثباته وحفظه.
القسم الثاني: الاختلاف على رجل في تجهيله:
الاختلاف على رجل في تجهيله: وهذه العلة تنشأ عن رواية الحديث من طريق ثابت وفيه رجل مبهم لم يُسَمَّ، ثم يُروى من طريق أخرى فيسمَّى الرجل، وقد أعلَّ الإمام الدارقطني بهذه العلة جملة من الأحاديث نذكر بعضها:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث حذيفة بن اليمان، عن أبي بكر - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ...)) الحديث (2).
فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه ليث بن أبي سليم، واختلف عنه فيه، فرواه ابن جريح، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي محمد شيخ له، عن حذيفة بن اليمان، عن أبي بكر
_________
(1) المصدر السابق، (ج2 /ص83)، برقم السؤال (126).
(2) أخرجه الإمام أحمد: في المسند، (ج4 / ص403)، برقم (19622)، من طريق عبدالله بن نمير، ثنا عبدالملك يعنى ابن أبي سليمان العزرمي، عن أبي علي رجل من بنى كاهل، قال خطبنا أبو موسى الأشعري، وهو حديث ضعيف، فيه أبو علي الكاهلي مجهول.
(1/149)
الصديق، خالفه عبد العزيز بن مسلم القسملي، فرواه عن ليث بن أبي سليم، عن أبي محمد، عن معقل بن يسار، عن أبي بكر. وقال عبدالرحمن بن سليمان بن أبي الجون، عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان بن رفيع، عن معقل بن يسار، عن أبي بكر. وقال أبو إسحاق الفزاري وأبو جعفر الرازي، عن ليث، عن رجل غير مسمَّى، عن معقل، عن أبي بكر. وقال جرير بن عبدالحميد، عن ليث، عن من حدثه، عن معقل ابن يسار عن أبي بكر. وقيل عنه عن ليث، عن شيخ من غنزة، عن معقل، عن أبي بكر. وقال عبدالوارث بن سعيد، عن ليث، قال: حدثني صاحب لي عن معقل، عن أبي بكر وروى هذا الحديث شيبان بن فروخ، عن يحيى بن كثير أبي النضر، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصح عن إسماعيل ولا عن الثوري، ويحيى بن كثير هذا متروك الحديث " (1).
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث قبيصة بن ذؤيب، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قوله للجدة: ((مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَسَأَسْألُ النَّاسَ فَقَامَ الْمُغِيرَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ...)) الحديث (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري واختلف عنه في إسناده: فقال مالك بن أنس عن الزهري، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة (3)، عن قبيصة بن ذؤيب وتابعه أبو أويس عن
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج1 /ص273)، برقم السؤال (15).
(2) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الفرائض، باب ماجاء من ميراث الجدة، (ج4 / ص420)، برقم (2101)، وأبو داود: في السنن، كتاب الفرائض، باب في الجدة، (ج2 / ص136)، برقم (2894)، وابن ماجة: في السنن، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة، (ج2 / ص909)، برقم (2724)، ثلاثتهم من طريق مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة، عن قبيصة بن ذؤيب به، وهو ضعيف معلول بهذه العلة.
(3) وهو عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشي العامري المدني، وقيل عثمان بن إسحاق بن عبدالله ابن أبى خرشة، (ت:؟)، وثقه ابن معين وابن حبان، من الطبقة الخامسة من صغار التابعين، أخرج له الأربعة في السنن هذا الحديث فقط، تهذيب التهذيب (ج7 /ص97).
(1/150)
الزهري، وقال ابن عيينة عن الزهري عن رجل لم يسمِّه، عن قبيصة بن ذؤيب، فقوي هذا القول مالك وأبو أويس، ورواه يونس بن زيد وعقيل بن خالد، ومعمر والأوزاعي وأسامة بن زيد الأشعث، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وشعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، ويزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، لم يذكروا بينهما أحداً، ويشبه أن يكون الصواب ما قاله مالك وأبو أويس، وأنَّ الزهري لم يسمعه من قبيصة وإنَّما أخذه عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عنه " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هنا هي: اضطراب ابن شهاب الزهري في الحديث، فإنّه مرةً يسمي عثمان بن إسحاق بن خرشة، ومرة يرويه عن رجل، ومرة يرويه عن قبيصة بن ذؤيب، ثم رجح الدارقطني رواية مالك وأبي أويس، وأنَّ الزهري لم يسمعه من قبيصة وإنَّما أخذه عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عنه، والله أعلم.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث رُوِيَ عن ابن عثمان، عن عثمان - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قَالَ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ سَفَرًا أَوْ غَيْرَهُ، فَقَالَ حِينَ يَخْرُجُ بِسْمِ اللَّهِ آمَنْتُ بِاللَّهِ اعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِلاَّ رُزِقَ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ وَصُرِفَ عَنْهُ شَرَّ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ)) (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه أبو جعفر الرازي، عن عبدالعزيز بن عمر، عن صالح بن كيسان، عن بن عثمان، عن عثمان، قاله بقية، عن أبي جعفر، وخالفه أبو النضر هاشم ابن القاسم، فرواه عن أبي جعفر، عن عبدالعزيز بن عمر، عن صالح بن كيسان عن رجل، عن عثمان، وتابعه على ذلك خلف بن الوليد، عن أبي جعفر الرازي، ويشبه أن يكون هذا أصح " (3).
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج1 /ص249)، برقم السؤال (46).
(2) أخرجه الإمام أحمد: في المسند، (ج1 / ص65)، برقم (471)، من طريق أبو جعفر الرازي عن عبدالعزيز بن عمر، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عثمان بن عفان به، وهو ضعيف معلول
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج3/ص65 - 66)، برقم السؤال (288).
(1/151)
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هنا أنَّ الحديث رُوِيَ من طريق عن صالح ابن كيسان، عن ابن عثمان، عن عثمان بن عفان، ثم ثبت من طريق أخرى عن صالح ابن كيسان، عن رجل، عن عثمان، وتابعه على ذلك خلف بن الوليد، عن أبي جعفر الرازي، ثم رجح الدارقطني الطريق الثاني، وقد أعلَّ الدارقطني بهذه العلة أحاديث أخرى كثيرة، أحببت أن أشير إلى أرقام سؤالاتها لزيادة النفع بها (1).
الجنس الثَّامن: أن يكُون الرَّاوي عن شخص أدركهُ وسَمعَ منهُ , لكنَّه لم يسمع منهُ أحاديث مُعينة , فإذا رواها عنه بلا واسطة فعِلَّتها أنَّه لم يسمعها منه.
وهذه العلة تدخل في معنى التدليس إلا أنها أدق منه، وقد سمّاها الحافظ ابن حجر بالمرسل الخفي، وهي رواية معاصر لم يلق، أو أنها نوع خفي من أنواع التدليس، ولقد حصر الدارقطني جملة من أحاديث قوم لم يسمعوها من شيوخهم، ولقد أعلَّ الإمام الدارقطني بهذه العلة أحاديث قليلة، وسوف نضرب هنا بعض الأمثلة منها:
المثال الأول: قال الإمام الدارقطني: " وحدثنا النيسابوري، ثنا أبو الأزهر، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، وثنا أحمد بن عيسى بن السكين، ثنا عبدالله بن سعد قال: ثنا عمر، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق (2)، قال: ذكر محمد بن مسلم بن شهاب، قال: حدثني ابن
_________
(1) المصدر السابق، أرقام السؤالات} (247)، (248)، (251)، (275)، (295)، (313) (321)، (347)، (357)، (386)، (394)، (401)، (425)، (430)، (442) (516)، (521)، (522)، (581)، (591)، (661)، (662)، (717)، (726)، (758)، (802)، (813)، (876)، (881)، (897)، (930)، (948)، (958)، (1002)، (1004)، (1014)، (1024)، (1027)، (1033)، (1080)، (1081)، (1098)، (1100)، (1103)، (1113)، (1117)، (1124)، (1160)، (1205) {.
(2) هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني، أبو بكر ويقال أبو عبدالله، القرشي المطلبي مولاهم (نزيل العراق، إمام المغازي)، (ت: 150هـ)، صدوق يُدلس من الطبقة الخامسة، من صغار التابعين، أخرج له الستة، ما عدا البخاري فقد أخرج له تعليقاً، تهذيب التهذيب (ج9/ص34)
(1/152)
أبي أنس، أنَّه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ)) (1).
وفي حديث حجاج عن ابن أبي أنس، قال النيسابوري: أصحاب الحديث يقولون: ابن إسحاق لم يسمع هذا الحديث من الزهري " (2).
قلتُ: ومحمد بن إسحاق وهو ابن يسار صاحب السير، سمع من شيخه الزهري أحاديث كثيرة، ولكن لم يسمع هذا الحديث من الزهري، وحجة الدارقطني في ذلك النقل عن أصحاب الحديث كما تقدم، وكون أنَّ ابن إسحاق مدلس، ولم يصرح بالسماع من ابن شهاب الزهري، والله أعلم.
المثال الثاني: قال الإمام الدارقطني: " أخبرنا علي بن الفضل، أخبرنا أبو يحيى البلخي عبدالصمد بن الفضل، أن شداد بن حكيم حدثهم عن زفر بن الهذيل، عن يحيى بن سعيد، عن الزهري، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما محمد بن علي عن علي - رضي الله عنه -، قال: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ)) (3). قال الشيخ - الدارقطني -: كذا قال
_________
(1) أخرجه البخاري من وجه آخر صحيح: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (ج6/ ص378)، برقم (3277)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، (ج4 / ص200)، برقم (1079)، من طريق عُقَيْل بن خالد الأيلي عند البخاري، ويُونُس بن يزيد الأيلي عند مسلم، كلاهما عن ابن شهاب عن ابن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنهم به.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10/ ص82)، برقم السؤال (1881).
(3) أخرجاه من وجه آخر صحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، (ج9 / ص746)، برقم (5523)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، (ج5 / ص198)، برقم (1407)، من طريق يَحْيَى ابْنُ قَزَعَةَ عند البخاري، ويَحْيَى بْنُ يَحْيَى التميمي الحنظلي عند مسلم، كلاهما عن ابن شهاب، عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب به.
(1/153)
عن يحيى بن سعيد عن الزهري، ويحيى لم يسمع هذا من الزهري، إنَّما سمعه من مالك بن أنس، عن الزهري، قال ذلك عبدالوهاب الثقفي، وإسماعيل بن عياش، وحماد بن زيد " (1).
قلتُ: ويحيى بن سعيد وهو ابن قيس الأنصاري (2)، سمع من شيخه الزهري، إلا أنَّه لم يسمع هذا الحديث بعينه من الزهري، ورجح الدارقطني ذلك لقول جمع من أهل
الحديث، وذلك لثبوت سماعه هذا الحديث من مالك بن أنس عن الزهري، كما أخرجه الإمام النَّسائي في السنن فقال: " أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالُوا أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَالْحَسَنَ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَخْبَرَاهُ أَنَّ أَبَاهُمَا مُحَمَّدَ ابْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ))، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ مِنْ كِتَابِهِ " (3) وهذا دليلٌ على أنَّ كلام أهل الحديث لا يكون بمجرد التخرص بل بالأدلة الثابتة التي لهم فيها عند الله برهان.
الجنس التاسع: أن يُروى الحديث بطريقة معروفة مشهورة , ثم يَروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق، فيقع من رواه في الوهم ظناً منه أنَّها الطريقة المشهورة.
وأصل هذه العلة: أن يكون هناك إسناد معروف مشهور، لا يختلف الرواة الثقات في هذا الإسناد، ثم يأتي راوٍ فيروي حديثاً ما بالإسناد المشهور وهماً منه أنّه هو الإسناد لهذا الحديث، وليس كذلك بل يكون لهذا الحديث إسناد خاص به مخالف للمشهور أو طريق
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج4/ص117)، برقم السؤال (458).
(2) هو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، ويقال يحيى بن سعيد بن قيس بن فَهد ولا يصح، أبو سعيد المدني القاضي الأنصاري النجاري (ت: 144هـ)، ثقة ثبت أخرج له الستة، من الطبقة الخامسة من صغار التابعين تهذيب التهذيب (ج11/ص194).
(3) النَّسائي: السنن، كتاب النكاح، باب تحريم المتعة، (ج6/ص436)، برقم (3367).
(1/154)
الجادة أو طريق المجرة، كما يطلق أهل الحديث على الطرق المشهورة للأحاديث، وهو معنى قول الحاكم: " فيقع من رواه من تلك الطريق بناءً على الجادة في الوهم"، ولقد أعلَّ الإمام الدارقطني بهذه العلة بعض الأحاديث نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: لما سُئل الإمام الدارقطني عن حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)) (1).
فقال - الدارقطني -: "وأما مالك فرواه أصحاب الموطأ عنه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة منهم: القعنبي، وابن وهب، وأبو مصعب، والشافعي، ومعن وابن المبارك.
وخالفهم عبدالله بن نافع الصائغ، وبشر بن عمر الزهراني، وإسحاق الفزاري رووه عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة ...
ورواه سُهيل بن أبي صالح (2)، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال فيه: ((لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ بَرِيداً))، ورواه سُهيل بإسناد آخر أيضاً، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ بَرِيداً))، فقد وهم على سُهيل؛ لأنَّ المحفوظ عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((لاَ تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَاً)) " (3).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هنا، ما وقع فيه سُهيل بن أبي صالح من الوهم في إتخاذ الطريق المشهورة (الجادة) على أنها إسناد الحديث، وليس كذلك بل الصحيح
_________
(1) أخرجاه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الجمعة، باب في كم يقصر الصلاة، (ج2/ص650)، برقم (1086)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، (ج5/ ص112)، برقم (1338).
(2) سُهيل بن أبى صالح: ذكوان السمان، أبو يزيد المدنى، مولى جويرية بنت الأحمس، (ت: فى خلافة المنصور)، صدوق تغير حفظه بآخرة، من الطبقة السادسة: من الذين عاصروا صغار التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج4 / ص231).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10 /ص 334 - 337)، برقم السؤال (2042).
(1/155)
عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وحجة الدارقطني في ذلك أنَّ الحديث رواه الثقات من أصحاب الإمام مالك وغيرهم: عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، ثم ذكر الدارقطني أنَّ سبب وقوع سُهيل في هذا أنَّ المعروف من الإسناد المحفوظ عنده عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فأوهم أنه إسناد الحديث، والله الهادي إلى سواء السبيل.
المثال الثاني: ولما سُئل الإمام الدارقطني عن حديث عكرمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ)) (1).
فقال - الدارقطني -:"وهم فيه بعض الرواة، والصحيح عن شعبة، وعن غيره، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي سعيد الخدري، وهو المحفوظ عن غندر، وعن غيره (2).
قلتُ: والعلة التى أشار إليها الإمام الدارقطني هنا هي: وهم بعض الرواة في جعل إسناد الحديث الطريق المشهورة (الجادة) عكرمة عن أبي هريرة، بدلاً من الإسناد الصحيح: خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي سعيد الخدري، وحجة الدارقطني في ذلك أنَّ عكرمة وهو مولى ابن عباس (3)، يروي كثيراً عن أبي هريرة بخلاف روايته عن أبي سعيد الخدري - واسمه سعد بن مالك بن سنان - فإنها تعد قليلة، فوقع الوهم من بعض الرواة بسبب معرفتهم كثرة رواية عكرمة عن أبي هريرة الطريق المشهورة.
_________
(1) أخرجاه على الوجه الصحيح: البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الصلاة، بَاب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، (ج1/ص633)، برقم (447)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الفتن وأشراط الساعة، بَاب لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْمَيِّتِ مِنَ الْبَلاءِ، (ج9/ ص266)، برقم (2916)، وغيرهما.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ص127)، برقم السؤال (2167).
(3) عكرمة القرشي الهاشمي، أبو عبد الله المدني، مولى عبدالله بن عباس (أصله من البربر من أهل المغرب)، (ت: 104هـ)، ثقة ثبت عالم بالتفسير، من الطبقة الثالثة، الوسطى من التابعين، أخرج له البخاري والأربعة في السنن، وغيرهم، تهذيب التهذيب (ج7/ص234).
(1/156)
الجنس العاشر: أن يُروى الحديث مرفوعًا من وجه , وموقوفًا من وجه.
وأصل هذه العلة أن: يَروي راوٍ الحديث مسنداً موصولاً، ثم يخالفه غيره فيرويه موقوفاً على الصحابي ويكون هو الراجح بين المرويَّات لهذا الحديث، ويسمى عند أهل الحديث مُعلٌّ بالوقف، وقد أعلَّ الإمام الدارقطني بهذه العلة أحاديث كثيرة منها:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني- عن حديث سلمان الأغر عن أبي سعيد، وأبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا قَالَ الْعَبْدُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقَ عَبْدِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ، وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ قَالَ صَدَقَ عَبْدِي ...)) (1) الحديث.
فقال - الدارقطني -: يرويه أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه، فرواه زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، عن الأغر مسنداً، وكذلك قال أبو قتيبة والنضر بن شميل: عن شعبة، عن أبي إسحاق مرفوعاً، وروى سعد بن شعبة، عن أبيه بعض هذا الحديث مرفوعاً لم يذكره بتمامه.
ورواه معاذ بن معاذ (2) عن شعبة موقوفاً، وهو المحفوظ. ورواه عبد الجبار بن العباس وإسحاق بن عبد الله المخولي عن أبي إسحاق مرفوعاً، والموقوف هو الأشبه " (3).
_________
(1) أخرجه على الوجه المعلول ابن ماجة: في السنن، كتاب الأدب، باب فضل لا إله إلا الله، (ج2 / ص1246)، برقم (3794)، من طريق أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد به، مسنداً موصولاً.
(2) معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان التميمي العنبري، أبو المثنى البصري القاضي (ت: 196هـ)، ثقة متقن من الطبقة التاسعة، من صغار أتباع التابعين، أخرج له الستة، قال يحي بن سعيد القطان: " كان شعبة يحلف لا يحدث فيستثنيهما، وقال أيضاً سمعت يحيى يقول: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ "، تهذيب التهذيب (ج10 / ص175 - 176).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ص302 - 303)، برقم السؤال (2298).
(1/157)
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هنا، أنَّ الحديث قد رُوي مرفوعاً عن جماعة من طريق شعبة عن أبي إسحاق، ثم رواه معاذ بن معاذ وهو العنبري عن شعبة عن أبي إسحاق، فرجح الدارقطني رواية معاذ بن معاذ على رواية الجماعة بقوله " وهو المحفوظ "
وحجته في ذلك أنَّ معاذ بن معاذ العنبري هو أوثق من هؤلاء الجمع في الإمام شعبة بن الحجاج بن الورد، فقد قال ابن عدي: " أصحاب شعبة: معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان، وغُندر، وأبو داود خامسهم " (1)، انظر كيف رجَّح رواية رجلٍ واحدٍ على رواية جماعة خالفوه!، وذلك للأدلة والقرائن سالفة الذكر، فدل ذلك على أنَّ العبرة ليست بعدد من رَوى الحديث ولو كانوا كثرة في جميع الأحوال، بل بقرائن أخرى لها تأثير أقوى في ترجيح المرويَّات، وهي في هذا المثل مدى تَثَبُّتْ ودقة الراوي في شيخه، وهذا المعيار من أدق معايير نقاد الحديث، وبهذا الحكم يكون الحديث قد أُعلَّ بالوقف، لصحة الرواية الموقوفة على المسندة، والله أعلم.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ العَبْدَ الْفَاجِرَ إِذَا وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، قَالَ: يَا وَيْلِه أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي)) (2).
_________
(1) ابن رجب الحنبلي: في شرح علل الترمذي، (ص 368).
(2) أخرجه بتمامه النَّسائي: في السنن، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، (ج4/ص 341)، برقم (1907)، من طريق عبدالله بن المبارك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن عبدالرحمن بن مهران، أنَّ أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: ((سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني، قدموني وإذا وضع الرجل يعني السوء على سريره، قال: يا ويلي أين تذهبون بي)) وهو حديث حسن، رواته ثقات إلا عبدالرحمن بن مهران فإنَّه صدوق.
(1/158)
فقال - الدارقطني -: يرويه طلحة بن مصرف، عن أبي حازم حدث به ابن عيينة، واختلف عنه، فرفعه أبو يعلى التوزي محمد بن الصلت (1)، عن ابن عيينة، عن مالك ابن مغول، عن طلحة، ووقفه غيره، والموقوف هو المحفوظ.
ورواه محمد بن جحادة، وليث بن أبي سليم عن طلحة موقوفاً " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هنا، أنَّ الحديث رواه أبو يعلى التوزي محمد بن الصلت مرفوعاً، ورواه آخرون موقوفاً، ثم رجَّح الدارقطني الموقوف، وحجته في ذلك متابعة محمد بن جحادة وليث بن أبي سليم عن طلحة موقوفاً، ثم أشار إلى أنَّ الوهم في رفعه من أبي يعلى التوزي محمد بن الصلت، لمخالفتة أصحاب طلحة بن مصرف الذين رووه موقوفاً، ولهذا السبب حُكم على هذا الإسناد من هذا المخرج أنَّهُ معلول بالوقف، والله تعالى أعلم.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث عبدالله بن باباه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَاوِي إِلَى فِرَاشِهِ: لاَ إِلِهَ إِلاَ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئٍ قَدِيرٍ ...)) (3).
_________
(1) محمد بن الصلت البصرى، أبو يعلى التوزي، أصله من توز، ويقال: توج أيضاً، وهي بلدة من بلاد فارس (ت: 228هـ) على الصحيح قاله البخاري في التاريخ، وهو صدوق يهم من الطبقة العاشرة، أخرج له البخاري في الصحيح، والنَّسائي في السنن، قال أبو حاتم: صدوق كان يملي علينا من حفظه التفسير وغيره وربما وهم، تهذيب التهذيب (ج9/ 207).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ص177)، برقم السؤال (2203).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة على الوجه الصحيح موقوفاً: في المصنف (ج7 /ص46)، برقم (14)، بلفظ: "حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن عبد الله بن باباه عن أبي هريرة قال: من قال حين يأوي إلى فراشه " لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله وبحمده، الحمد الله، لا إله إلا الله والله أكبر " غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر".
(1/159)
فقال - الدارقطني -: يرويه حبيب بن أبي ثابت، واختلف عنه، فرواه مسعر عن حبيب، واختلف عن مسعر، فرواه إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفارسي، عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبدالله بن باباه (1)، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه خلاد بن يحيى وأبو معاوية الضرير ومصعب بن المقدام، رووه عن مسعر موقوفا، وكذلك رواه الثوري والأعمش عن حبيب، وهو المحفوظ موقوف " (2).
قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني، أنَّ الحديث رواه إسماعيل بن محمد ابن إسماعيل الفارسي (3)، عن مسعر بن كدام مرفوعاً، وخالفه جمع من الأثبات منهم:
خلاد بن يحيى، وأبو معاوية الضرير، ومصعب بن المقدام، فرووه موقوفاً، وكذلك تابع مسعر بن كدام الثوري والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت على روايته موقوفاً، فلذلك رجَّح الإمام الدارقطني الموقوف على المرفوع، وقد أعل الدارقطني بهذه العلة أحاديث
كثيرة في كتابه العلل أشير إلى بعض سؤالاتها في العلل لزيادة النفع بها (4).
_________
(1) عبدالله بن باباه، ويقال: بابيه، ويقال: بابي، المكي، مولى آل حجير بن أبى إهاب، (ويقال مولى يعلى بن أمية) (ت:؟)، ثقة من الطبقة الثالثة، الوسطى من التابعين، أخرج له الستة إلا البخاري، تهذيب التهذيب (ج5/ص133).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ ص43)، برقم السؤال (2115).
(3) إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى القرشي الكوفي (ت:؟)، من الطبقة العاشرة كبار الآخذين عن تبع الأتباع، صدوق يهم أخرج ابن ماجة، تهذيب التهذيب (ج1/ص286).
(4) أبو الحسن الدارقطني: العلل، أرقام السؤالات} (198)، (473)، (490)، (586)، (641)، (642) (691)، (700)، (852)، (853)، (920)، (1085)، (1123)، (1511)، (1518)، (1525)، (1827)، (1895)، (2019)، (2037)، (2115)، (2189)، (2199)، (2203)، (2284)، (2298) {.
(1/160) ===========================


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل
المبحث الثاني: الأجناس التي لم يذكرها الحاكم وأمثلتها عند الدارقطني في كتاب العلل
سنتعرض في هذا المبحث لأجناس العلل الأخرى من جهة الإسناد عند الإمام الدارقطني في كتابه العلل، والتي لم يذكرها أبو عبدالله الحاكم، وهذه الأجناس جاءت نتيجة للسبر ولدراسة الأنواع المختلفة التي في إجابات السؤالات في كتاب العلل، ولا أدعي أنَّي قد حصرت جميع الأجناس في العلل، وإنَّما هي محاولة لبيان منهج الدارقطني في هذه الأجناس
الجنس الأول: علة إبدال جزء من الإسناد أو إبدال راوٍ مكان آخر.
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة في القراءة خلف الامام (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه الزهري واختلف عنه فرواه مالك، ومعمر، ويونس والزبيدي، وابن جريج، وعبد الرحمن بن إسحاق، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، وابن عيينة عن الزهري، عن ابن أكيمة (2)، عن أبي هريرة، وخالفهم الأوزاعي رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ووهم فيه، وإنَّما هو عن الزهري قال سمعت ابن أكيمة يحدث عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، كذلك قال: يونس وابن عيينة عن الزهري حديثهما، وكذلك روي عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن سعيد عن أبي هريرة ... " (3).
_________
(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الصلاة، بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ، (ج1/ص118) برقم (312)، والنسائي: في السنن، كتاب الافتتاح، تَرْكُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ، (ج2/ ص478) برقم (918)، وأبو داود: في السنن، كتاب الصلاة، بَاب مَنْ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ، (ج1/ ص278)، برقم (826)، ثلاثتهم من طريق عن الزهري، عن ابن أكيمة اللَّيْثِيِّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) هو عمارة بن أكيمة الليثى ثم الجندعي، أبو الوليد المدني، وقيل اسمه عمار أو عمرو أو عامر (ت: 101 هـ)، ثقة من الطبقة الثالثة، الوسطي من التابعين، أخرج له الأربعة في السنن، هذا الحديث، وليس له غيره عن الزهري، تهذيب التهذيب (ج7 / ص359).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج9 /ص 55 - 57)، برقم السؤال (1640).
(1/161)
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: خطأ الإمام الأوزاعي في رواية هذا الحديث، فإنَّه خالف يونس وابن عيينة في إبدال راوٍ مكان آخر، فقال: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ووهم في ذلك؛ لأنَّ الحديث معروف ومشهور من طريقين عن الزهري، عن ابن أكيمة اللَّيْثِيِّ، عن أبي هريرة، وكذلك عن الزهري، عن ابن أكيمة اللَّيْثِيِّ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند الثقات، وكلا الطريقين ثابت عند المحدثين، وحجة الإمام الدارقطني أنَّ يونس وابن عيينة قد رَويا الطريقين عن الزهري، وهما من أثبت الناس في الزهري كما بينَّا من قبل، والله الهادي إلى سواء السبيل.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث الحارث عن علي - رضي الله عنه -: ((أُمِرْتُ بِأَرْبَعٍ أَنْ لاَ يَقْرَبَ الْبَيْتَ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ)) (1).
فقال - الدارقطني -: هو حديث رواه معمر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي ورواه الثوري، عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابه، عن علي ورواه ابن عيينة وأبو شيبة وغيرهما، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي هو المحفوظ، حدثنا أحمد ابن محمد بن الجراح، ثنا أحمد بن منصور، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابه، عن علي قال: ((لَمَّا بَعَثَنِي رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بِبَرَاءَةٍ إِلَى مَكْةَ أَمَرَنِي أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَحُجُّ مُشْركٌ بَعَدَ عَامِهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ)) " (2).
_________
(1) أخرجه الترمذي بالوجه الصحيح: في السنن، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، (ج5/ص 276) برقم (3092)، من طريق عن أبي إسحق عن زيد بن يثيع قال سألنا علياً نحوه.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج3 / ص164)، برقم السؤال (329).
(1/162)
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: إبدال الحارث وهو ابن عبدالله الهمداني الخارفي الأعور وهو متهم بالكذب (1)، بدلاً من زيد بن يثيع وهو من الثقات (2)، وقد رجح الإمام الدارقطني رواية سفيان بن عيينة وغيره، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي، وحجته في ذلك رواية جمع من الثقات الحديث بهذا الإسناد.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ حَفِظَهُ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَّارِ)) (3).
فقال - الدارقطني -: يرويه عمارة بن زاذان، وقد اختلف عنه.
فرواه يحيى بن إسحاق السيلحيني عن عمارة بن زاذان عن علي بن الحكم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، ووهم فيه.
وإنَّما رواه عمارة بن زاذان عن علي بن الحكم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة.
وكذلك رواه مالك بن دينار، وليث بن أبي سليم، وسعيد بن راشد، والعلاء بن خالد عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المحفوظ.
_________
(1) قال ابن حجر العسقلاني: " قال الجوزجاني: سألت علي بن المديني عن عاصم والحارث فقال: مثلك يسأل عن هذا الحارث كذاب"، وذكر عن الشعبي أنه كذبه" تهذيب التهذيب (ج2/ص126).
(2) هو زيد بن يثيع، ويقال اثيع الهمداني الكوفي، قال العجلي كوفي تابعي ثقة وقال: ابن سعد كان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، تهذيب التهذيب (ج3/ص 369).
(3) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب العلم، باب ما جاء في الاستيصاء بمن طلب العلم (ج5 /ص29)، برقم (2649)، وأبو داود في السنن، كتاب العلم، باب كراهية منع العلم، (ج2 /ص 345)، برقم (3658)، كلاهما من طريق علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة نحوه.
(1/163)
وكذلك رواه حماد بن سلمة عن علي بن الحكم عن عطاء، وهو المحفوظ " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي: إبدال محمد بن زياد (2)، بدلاً من عطاء بن أبي رباح (3) في الإسناد، وقد رجح الإمام الدارقطني عن عطاء بن أبي رباح، وحجته مخالفة يحيى بن إسحاق السيلحيني وهو ثقة (4)، وذلك لرواية جمع من الثقات عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة كما هو واضح في المثال، والله سبحانه الموفق.
الجنس الثاني: علة الخطأ في تسمية الصحابي خلاف الصحيح الثابت:
وهذه العلة تنشأ عن الوهم والخطأ في اسم الصحابي، ولقد اهتم النقاد بهذا النوع كثيراً وربما يستغرب البعض لماذا كل هذا الاهتمام وجميع الصحابة عدول؟، والجواب: ليس كل التابعين أدرك الصحابة، فإنَّ طاوساً تابعي جليل، لكنه لم يدرك معاذ بن جبل رضي الله عنه كما ذكرنا من قبل، وكذلك ليس كل من أدرك الصحابة سمع منهم، فمثلاً سماع أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود من أبيه غير صحيح على الرغم من أنَّه أدركه، وكذا سلمة بن دينار لم يسمع من أبي هريرة شيئا، والحسن البصري لم يسمع من أسامة ابن زيد شيئاً، فلهذا السبب كان معرفة الصحابي المقصود في الإسناد على غاية من الأهمية للحكم على صحة الحديث فانظر لدقة نظر هؤلاء القوم، وثاقب فهمهم.
وقد أعل الدارقطني بهذه العلة جملة من الأحاديث نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث ربعي بن حراش عن عبدالله - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَالَ ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ رَجُلٌ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ،
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10/ص67 - 68)، برقم السؤال (1872).
(2) محمد بن زياد القرشي الجمحي مولاهم، أبو الحارث المدني (ت:؟)، من الطبقة الثالثة الوسطى من التابعين، ثقة ثبت أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج9/ص149).
(3) عطاء بن أبي رباح، واسمه أسلم القرشي مولاهم أبو محمد المكي (114هـ)، حجة إمام كبير الشأن، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج7/ ص179 - 183).
(4) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ج11/ص 155).
(1/164)
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ صَدَقَةً بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ ...)) (1) الحديث
فقال - الدارقطني -: يرويه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن منصور عن ربعي عن ابن مسعود، ووقع في وهم، وليس هذا من حديث ابن مسعود وإنَّما هو من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - ... ، ورواه شعبة عن منصور عن ربعي عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر، وقال جرير عن منصور عن ربعي عن زيد بن ظبيان أو غيره عن أبي ذر وهو المحفوظ" (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني الوهم الذي وقع من أبي بكر بن عياش (3)، حيث جعل الحديث من رواية ابن مسعود رضي الله عنه، وليس كذلك بل هو من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وحجة الدارقطني في ذلك رواية شعبة عن منصور عن ربعي عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر، والحديث مخرجه واحد، وقد سبق الدارقطني إلى إعلال الحديث الترمذي فقال: " هذا حديث غريب من هذا الوجه وهو غير محفوظ والصحيح ما روى شعبة وغيره عن منصور عن ربعي بن حراش عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بن عياش كثير الغلط " (4).
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عبدالرحمن بن غنم عن أبي ذر - رضي الله عنه -، قالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ اللهُ: كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ ...)) الحديث (5).
_________
(1) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في كلام الحور العين، (ج4 /ص 697) برقم (2567)، من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن منصور عن ربعي بن حراش عن ابن مسعود، وهو من هذا الوجه ضعيف معلول لأنَّ أبي بكر بن عياش ضعيف في الأعمش.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج5/ص50 - 51)، برقم السؤال (696).
(3) أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقريء الحناط، اسمه كنيته (ت: 194هـ)، من الطبقة السابعة كبار أتباع التابعين، ثقة إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح، أخرج له الستة وأخرج مسلم له في المقدمة، تهذيب التهذيب (ج12/ص31).
(4) الترمذي: في السنن، (ج4 /ص 697).
(5) أخرجه من وجه آخر صحيح مسلم: في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، (ج3 / ص182)، برقم (1286)، بلفظٍ مختلف.
(1/165)
فقال - الدارقطني -: يرويه شهر بن حوشب عن عبدالرحمن بن غنم حدَّث به عبدالحميد بن بهرام، وليث بن أبي سليم، وموسى بن المسيب، وسيار وأبو الحكم عن شهر بن حوشب، واختلف عن موسى بن المسيب، فرواه عن منصور بن المعتمر عن شهر بن حوشب، عن ابن غنم عن أبي ذر مسنداً ... ، واختلف عن ليث بن أبي سليم فرواه شيبان، عن ليث عن شهر، وخالفه أبو عصمة نوح بن أبي مريم، فرواه عن ليث
عن موسى بن المسيب عن شهر، عن ابن غنم، عن أبي ذر وأبي الدرداء، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
وليس ذكر أبي الدرداء بمحفوظ والله أعلم، قيل للشيخ فإنَّ معتمر بن سليمان يرويه عن أبي جعفر، عن شهر، عن ابن غنم عن أبي ذر مسنداً، من أبو جعفر هذا؟ فقال: هو موسى بن المسيب " (1).
قلتُ: وواضح من المثال أنَّ الدارقطني قد رجح عدم صحة الرواية التي ذكر فيها أبي الدرداء، وذلك أنَّ الحديث قد رواه جمع من الحفاظ بدون ذكر أبي الدرداء، وإن كانت هذه العلة لا تضر فإنَّ عبدالرحمن بن غنم (2) حدث عن أبي الدرداء بأحاديث قليلة وهو شامي مختلف في صحبته، وكان أبو الدارداء رضي الله عنه يقيم في الشام، فهي علة غير مؤثرة في واقع الأمر لهذه القرائن التي ذكرنا.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عبدالله بن الزبير عن الزبير - رضي الله عنهم -، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلاً الْمَصَّتَانِ)) (3).
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج6 / ص249 - 250)، برقم السؤال (1110).
(2) عبدالرحمن بن غنم الأشعري الشامي (ت: 78 هـ)، من الطبقة الأولى مختلف في صحبته أخرج له الأربعة والبخاري تعليقاً، من كبار فقهاء الشام، تهذيب التهذيب (ج6 /ص225 - 226).
(3) أخرجه الترمذي بالوجه الصحيح: في السنن، كتاب الرضاع، باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان، (ج3/ص455)، رقم (1150)، وأبو داود: في السنن، كتاب النكاح، باب هل يحرم ما دون خمس رضعات، (ج1/ص629)، رقم (2063)، وابن ماجه: في السنن، كتاب النكاح باب لا تحرم المصة ولا المصتان، (ج1/ص624)، رقم (1941)، ثلاثتهم من طريق ابن أبي مليكة عن عبدالله بن الزبير عن عائشة به.
(1/166)
فقال - الدارقطني -: تفرد به محمد بن دينار الطاحي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن ابن الزبير، عن الزبير ووهم فيه، وغيره من أصحاب هشام يرويه، عن هشام عن أبيه، عن عبدالله بن الزبير، عن النَّبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يذكرون فيه الزبير ورواه ابن أبي مليكة، عن عبدالله بن الزبير، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح لأنَّه زاد وهو المحفوظ عن عائشة " (1).
قلتُ: وواضح من المثال أنَّ الدارقطني رجَّح الرواية التي فيها عبدالله بن الزبير، عن عائشة، بدون ذكر الزبير، وحجة الدارقطني هي: تفرد محمد بن دينار الطاحي (2)، وهو ضعيف لا يحتمل تفرده، وغيره من أصحاب هشام يرويه، عن هشام عن أبيه، عن عبدالله بن الزبير لا يذكرون فيه الزبير، فكان الحمل عليه من محمد بن دينار الطاحي، ولقد أشرنا من قبل إلى مسألة تفرد الراوي برواية الحديث خلاف أقرانه عن شيخه، ويعتبر التفرد من المعايير التي يقيس عليها النقاد المحدثين مدى حفظ الراوي لمرويَّاته من عدمه، وهنا تفرد محمد بن دينار الطاحي بذكر الزبير في الإسناد فأخطأ، وقد أحصى عليه النقاد أخطاء أخرى تدل على عدم حفظه لمروياته فضعفوه، والله أعلم.
الجنس الثالث: علة نقص راوٍ أو زيادة راوٍ في الإسناد.
وتنشأ هذه العلة عند رواية بعض الرواة الحديث بإسناد فيه زيادة راوٍ، ثم يرويه البعض الآخر بنقص راوٍ، وهذا الجنس مشهور في كتب العلل، وهو من أخفى أجناس العلل ولا يدركه إلا الجهابذة، وأصل هذه العلة أن يكون للحديث طريقين في أحدهما زيادة راوٍ، والآخر فيه نقص في الإسناد، وقد ترجح الزيادة على النقص أو يرجح النقص على الزيادة وقد يجمع بين الطريقين على أنَّه رواه مرة بواسطة، ومرة من غير واسطة كل ذلك إذا كان للحديث مخرجاً واحداً، وإلا فلا يمكن الجمع مع اختلاف مخرج الحديث.
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج4/ص225 - 226)، برقم السؤال (525).
(2) محمد بن دينار الأزدي ثم الطاحي، أبو بكر بن أبي الفرات البصري، صدوق تغير في آخره، وضعفه الدارقطني، أخرج له أبو داود والترمذي، تهذيب التهذيب (ج9 /ص136 - 138).
(1/167)
ولا يكون الترجيح إلا بالقرائن التي تدل على عدم الوهم أو الخطأ، كمقارنة الزيادة بمرويَّات الثقات الأثبات للحديث، أو عدد من روى الزيادة أو النقص، ولتوضيح هذا النوع سوف نضرب هنا بعض الأمثلة من كتاب العلل:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث علي بن الحسين عن عمر - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَ سَبَبِي وَنَسَبِي)) (1).
فقال - الدارقطني -: هو حديث رواه محمد بن إسحاق عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن عمر، وخالف الثوري وابن عيينة ووهيب، وغيرهم فرووه عن جعفر عن أبيه عن عمر ولم يذكروا بينهما جده علي بن الحسين وقولهم هو المحفوظ " (2).
قلتُ: وواضح من المثال أنَّ الإمام الدارقطني رجَّح الإسناد الناقص على الزيادة، وحجته في ذلك أنَّ محمد بن إسحاق خالف الأثبات منهم الثوري وابن عيينة وغيرهم، فأعلَّ الرواية الزائدة والتي فيها " عن جده وهو علي بن الحسين " بذلك، وقال: " عن جعفر عن أبيه عن عمر ولم يذكروا بينهما جده علي بن الحسين وقولهم هو المحفوظ "، وبهذا يكون الحديث معلٌّ بالانقطاع، لأنَّ جعفر بن محمد لم يلق عمر.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عاصم يقال عاصم بن أبي المشجر الجحدري بصري عن أبي بكرة - رضي الله عنه -: ((أنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَاذِبيِنَ})) (3).
_________
(1) أخرجه البيهقي على الوجه المعلول: السنن الكبرى في ثلاث مواضع: (ج7 /ص63 - 64) برقم (13171)، وبرقم (13172)، (ج7/ ص114) برقم (13438)، وهو حديث معلول.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج2/ ص190)، برقم السؤال (211).
(3) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، طبعة دار الفكر، بيروت سنة 1412هـ، (ج7/ص68)، برقم (11607)، وقال الهيثمي: "رواه البزار وفيه عاصم الجحدري وهو قارئ، قال الذهبي قراءته شاذة وفيها ما ينكر، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم ضعف ولم يسمع عاصم من أبي بكرة.
(1/168)
فقال - الدارقطني-: يرويه عبدالله بن حفص أبو محمد الأرطباني عن عاصم عن عبدالله ابن أبي بكرة عن أبيه وغيره يرويه عنه لا يذكر فيه ابن أبي بكرة وهو المحفوظ " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني أنَّ زيادة ابن أبي بكرة غير محفوظة ممن رووا هذا الحديث، ويعتبر الإسناد الناقص هو المحفوظ، والوهم في الزيادة من عبدالله بن حفص الأرطباني (2)، والحمل عليه فيه، وبهذا أعلَّ الحديث حيث إنَّ الإسناد منقطع ما بين عاصم وهو الجحدري، وأبي بكرة وهو نفيع بن الحارث بن كلدة، صحابي جليل رضي الله عنه، والله أعلم.
المثال الثالث: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عبدالرحمن بن عوف، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: ((ثَلاَثٌ وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلتُ رسُول - صلى الله عليه وسلم - عَنْهَا وَدِدْتُ أَنِّي سَأَلْتُهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرَ؟،فَلاَ يُنَازِعُهُ أَهْلَّه، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلتُهُ هَلْ للأَنْصَارِ فِي هَذا الأَمْرَ شَيءٌ؟ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ سَأَلتُهُ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَابْنَةَ الأُخْتِ)) (3)
فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه شيخ لأهل مصر، يقال له علوان بن داود واختلف عليه فيه، فرواه عنه سعيد بن عفير، عن علوان بن داود عن حميد بن عبدالرحمن ابن عوف عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه عن أبي بكر الصديق، وخالفه الليث بن سعد، فرواه عن علوان، عن صالح بن كيسان بهذا الإسناد إلا أنَّه لم يذكر بين علوان وبين صالح حميد بن عبدالرحمن، فيشبه أن يكون سعيد بن عفير ضبطه عن علوان؛ لأنَّه زاد فيه رجلا، وكان سعيد بن عفير من الحفاظ الثقات" (4).
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج7/ص165)، برقم السؤال (1278).
(2) عبدالله بن حفص الأرطباني، أبو حفص البصري (ت:؟)، صدوق من الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، أخرج له الترمذي، وذكره ابن حبان في الثقات، تهذيب التهذيب (ج5/ص165).
(3) أخرجه الحاكم: في المستدرك، (ج4 /ص381)، من طريق سعيد بن عفير حدثني علوان بن داود عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه به.
(4) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج1/ص182 - 183)، برقم السؤال (9).
(1/169)
قلتُ: وواضح من المثال أنَّ الإمام الدارقطني رجح الزيادة في الإسناد، وهي إدخال حميد بن عبدالرحمن بين علوان وصالح، لأنَّ سعيد بن عفير (1) من الحفاظ الثقات.
المثال الرابع: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عبيدة عن عبدالله - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً ...)) (2). الحديث
فقال - الدارقطني -: يرويه الأعمش ومنصور، واختلف عن الأعمش، فرواه منصور عن إبراهيم عن عبيدة، عن عبد الله. وكذلك رواه أبو معاوية الضرير، وقتادة بن الفضيل أبو حميد عن الأعمش، ورواه عبدالواحد بن زياد عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة وعبيدة عن عبدالله زاد فيه علقمة قاله عفان عنه وأرجو أن يكون محفوظاً " (3).
الجنس الرابع: الوهم بإدخال إسناد حديث لمتن حديث آخر بخلاف إسناده.
وأصل هذه العلة أنَّ يكون للحديث إسناد محفوظ، فيقع الوهم من الراوي فيدخل إسناد حديث آخر لمتن آخر بخلاف إسناده المحفوظ، وقد وقع ذلك من بعض الثقات الحفاظ، وهذه علة مشهورة في كتب العلل، وقد أعل الإمام الدارقطني في كتابه جملة منها نذكر منها على سبيل المثال:
_________
(1) وهو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري مولاهم، أبو عثمان المصري (ت:226هـ)، وقد ينسب إلى جده، الحافظ الثقة من الطبقة العاشرة، تهذيب التهذيب (ج4/ص66).
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، (ج13/ص539)، برقم (7511)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجاً، (ج2/ ص42) برقم (186)، كلاهما من طريق منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله بن مسعود نحواً منه، وهو على الوجه الصحيح غير معلول، والله أعلم.
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج5/ ص183 - 184)، برقم السؤال (807).
(1/170)
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث نهار العبدي عن أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ ...)) (1).
فقال - الدارقطني -: رواه مؤمل بن إسماعيل عن حماد، وحماد ووهيب وسفيان عن يحيى بن سعيد، عن عبدالله بن أبي صعصعة، عن نهار العبدي عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ووهم في ذكر نهار العبدي في هذا الحديث، وإنما روى هذا الحديث ابن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد. وحديث نهار إنَّما هو: ((أنَّ الله يسأل العبد يوم القيامة: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ؟)) (2).
قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هي: أنَّ مؤمل بن إسماعيل (3)، وَهِمَ فأدخل حديث نهار العَبْدِي: أنَّه سمعه يحدث عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنَّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ تُنْكِرُهُ فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ يَا رَبِّ وَثِقْتُ بِكَ وَفَرِقْتُ مِنَ النَّاسِ)) (4)، في حديث ابن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: رَسُّولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ)) الذي رواه البخاري في صحيحه كما بيينَّا من قبل.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتِ الصَّلاةُ أَمْ
_________
(1) أخرجه بالوجه الصحيح البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الإيمان، باب من الدين الفرار من الفتن، (ج1/ ص86)، برقم (19).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج11/ص317 - 319)، برقم السؤال (2308).
(3) مؤمل بن إسماعيل القرشي العدوي أبو عبد الرحمن البصري، مولى آل عمر بن الخطاب (ت: 206هـ)، صدوق سيء الحفظ، من الطبقة التاسعة، تهذيب التهذيب (ج10/ص339 - 340).
(4) أخرجه بالوجه الصحيح أحمد بن حنبل: في المسند (ج3/ص29)، برقم: (11263).
(1/171)
نَسِيتَ؟ ...)) (1). الحديث
فقال - الدارقطني -: حدث به عنه أيوب السختياني، عبدالله بن عون، وحميد الطويل، وقتادة، وحبيب بن الشهيد، وسلمة بن علقمة، ويحيى بن عتيق، وهشام بن حسان، وخالد الحذاء، وأشعث بن عبد الملك، ويزيد بن إبراهيم ...
وأمَّا ما ذُكر في متنه، فإنَّ كل من رواه عن أيوب وعن غير أيوب عن ابن سيرين قال: إنَّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: ((أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْن؟ قَالُوا: نَعَم)).
إلا حماد بن زيد، فإنه رواه عن أيوب، وقال فيه: ((فأومئوا نعم)).
ثم قال - الدارقطني -: وقال سفيان بن حسين في هذا الحديث: عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنَّ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ قال في آخره: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا
تَنْسَوْنَ)) (2)، ووهم في هذا القول، وهذا الكلام ليس من حديث ابن سيرين، ولا من حديث أبي هريرة، وإنَّما رواه علقمة، عن عبدالله " (3).
_________
(1) أخرجه بالوجه الصحيح البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الأذان، باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس، (ج2/ ص240)، وبأرقام: (714)، (1227)، (7250).
(2) أخرجه بالوجه الصحيح البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، (ج1/ ص590)، برقم (401)، من طريق منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قال: عبدالله بن مسعود، وهو الحديث الذي أشار إليه الدارقطني أن سفيان بن حسين أدخله في حديث أبي هريرة، وتمام حديث عبدالله بن مسعود: ((صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لَنَبَّاتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ)).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10/ص10 - 13)، برقم السؤال (1819).
(1/172)
الجنس الخامس: عدم وجود الحديث في كتب الراوي له.
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث أبي رافع عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((فِي الوضُوءِ بِالْنَبِيذِ)).
فقال - الدارقطني -: يرويه أبو سعيد مولى بنى هاشم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن ابن مسعود، وتابعه عبد العزيز بن أبي رزمة ولا يثبت هذا الحديث لأنَّه ليس في كتب حماد بن سلمة المصنفات وعلي بن زيد ضعيف وأبو رافع لا يثبت سماعه من ابن مسعود ... " (1).
قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هي: أنَّ الحديث لا يثبت؛ لأنَّه من رواية حماد بن سلمة وليس في كتبه المصنفات، فدل ذلك أنَّ الحديث لا أصل له.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسُئِل - الدارقطني -: عَن حَدِيثِ المَقبُرِيِّ، عَن أَبِي هُرَيرة - رضي الله عنه -، قال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم: مَن كانَت لَهُ عِند أَخِيهِ مَظلِمَةٌ فِي عِرضِهِ أَو مالِهِ فَليَتَحَلَّلهُ قَبل أَن يُؤخَذ مِنهُ لا دِينارٌ ولا دِرهَمٌ، إِن كان لَهُ عَمَلٌ صالِحٌ أُخِذ مِنهُ بِقَدرِ مَظلِمَتِهِ وإِلاّ أُخِذَت مِن سَيِّئاتِهِ فَجُعِلَت عَلَيهِ)).
فقال - الدارقطني -: يرويه ابن أبي ذئب، وعبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة. ورواه مالك بن أنس، واختلف عنه، فرواه إبراهيم بن طهمان وإسماعيل بن عياش، وخالد بن حميد، وصدقة بن عبدالله، وابن وهب، ويحيى القطان ومعنى بن عيسى وابن أبي أويس، وعبد العزيز بن يحيى، عن مالك، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وليس في الموطأ ...
حدثنا علي بن مبشر، ثنا أحمد بن سنان القطان، حدثني يحيى بن سعيد القطان عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له مظلمة قبل أخيه في مال أو عرض فليأته فليستحلها منه قبل أن يؤخذ ليس ثم دينار ولا درهم، إن كانت حسنات
_________
(1) المصدر السابق، (ج5/ص 345 - 347)، برقم السؤال (940).
(1/173)
أخذت من حسناته فأعطيها هذا، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات هذا فالقي عليه)).
حدثنا أبو بكر النيسابوري ثنا صالح بن أحمد بن حنبل ثنا علي بن المديني ثنا يحيى عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال علي - يعني المديني -: فذكرته لعبدالرحمن فقال: ليس هو في كتاب مالك ويحيى ابن يحيى، قال علي: فسألت عنه معنىً فقال: هو عند مالك حدثه به ثم تركه " (1).
قلتُ: ووجه العلة التي أشار إليها الإمام الدارقطني هي: أنَّ الحديث لا يثبت لأنَّه من رواية مالك وليس في كتابه " الموطأ "، فدل ذلك أنَّ الحديث لا أصل له من رواية مالك.
الجنس السادس: علة عدم ثبوت صحة السماع المتوهم من العنعنة.
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث علي بن ربيعة الوالبي الأسدي، عن علي - رضي الله عنه - في ركوب الدَّابة، وما يقال عند ذلك؟.
فقال - الدارقطني -: حدث به أبو إسحاق السبيعي (2)، عن علي بن ربيعة (3) رواه، عن أبي إسحاق كذلك منصور بن المعتمر وعمرو بن قيس الملائي، وسفيان الثوري وأبو الأحوص وشريك، وأبو نوفل علي بن سليمان والأجلح بن عبد الله، واختلف عنه فقال مصعب بن سلام، عن الأجلح وأبو يوسف القاضي، عن ليث جميعاً عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ووهما، والصواب ما رواه شيبان، عن الأجلح عن أبي إسحاق عن علي بن
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل، (ج10/ 357 - 358)، برقم السؤال (2049).
(2) هو عمرو بن عبدالله بن عبيد أو على أو ابن أبى شعيرة، الهمداني، أبو إسحاق السبيعي الكوفي (ت:126هـ أو 127هـ)، من كبار الحفاظ الثقات المكثرين الذين تدور عليهم الأحاديث، قال أبو حاتم ثقة وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني وشبه الزهري في كثرة الرواية، وقد وصف بالتدليس، وأخرج حديثه الستة، وخلق كثير، تهذيب التهذيب (ج8 /ص 56 - 59).
(3) هو علي بن ربيعة بن نضلة الوالبي الأسدي ويقال البجلي أبو المغيرة الكوفي، (ت: هـ)، قال ابن المغيرة والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، تهذيب التهذيب (ج7 /ص281).
(1/174)
ربيعة، وكذلك قال أصحاب أبي إسحاق عنه.
وأبو إسحاق لم يسمع هذا الحديث من علي بن ربيعة، يُبِّينُ ذلك ما رواه عبدالرحمن ابن مهدي، عن شعبة قال: قلت لأبي إسحاق سمعته من علي بن ربيعة؟ فقال: حدثني يونس بن خباب عن رجل عنه.
وروى هذا الحديث شعيب بن صفوان، عن يونس بن خباب، عن شقيق بن عقبة، عن علي بن ربيعة، ورواه المنهال بن عمر، وإسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصغير، عن علي بن ربيعة، فهو من رواية أبي إسحاق مرسلا، وأحسنها إسنادا حديث المنهال بن عمرو، عن علي بن ربيعة، والله أعلم.
ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن علي بن ربيعة حدثنا القاضي حسين بن إسماعيل، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الباهلي، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا سفيان، حدثني أبو إسحاق، عن علي بن ربيعة، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ((يَتَعَجْبُ الرَّبُ أَوْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَ إِذَا قَالَ العَبْدُ: سُبْحَانَكَ الَّلهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَ أَنْتَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَ أَنْتَ)) " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني على الرغم من أن السند ظاهره الصحة هي: عدم سماع أبي إسحاق هذا الحديث من علي بن ربيعة، وحجة الإمام الدارقطني في ذلك تصريح أبي إسحاق نفسه بهذا، وهو من أصح الأدلة على عدم السماع.
ولقد سبق أبو حاتم الدارقطنيَّ في الحكم على هذا الحديث، فذكر في العلل تصريح أبي إسحاق بعدم السماع من رواية أخرى، فقال ابن أبي حاتم: " سألتُ أبي، عن حديثٍ، رواه الثوري وغيره، عن أبي إسحاق، عن علي ابن ربيعة قال: كنت رِدْف على ... ! فقال: حين ركب الحمد لله ثلاثا، سبحان الذي سخر لنا هذا ... ، وذكر الحديث؟
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج4 / ص 59 - 63)، سؤال رقم (430).
(1/175)
فقال أبي: حدثني أبو زياد القطان عن يحيى بن سعيد قال كنت أعجب من حديث على بن ربيعة: " كنت رديف على "، لأنَّ علىَّ بن ربيعة كان حَدَثاً في عهد على، ومِثْلَهُ أَنكرتُ أن يكونَ رِدْفَ عليَّ، حتى حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن علي بن ربيعة قلت لسفيان سمعه أبو إسحاق من على بن ربيعة؟، فقال: سألتُ أبا إسحاق عنه فقال: حدثنى رجل، عن علي بن ربيعة " (1).
وبهذه العلة صار الإسناد معلول بعدم السماع وهي علة غاية في الدقة والإتقان، ولا يفطن إليها إلاَّ جهابذة النُّقاد في علل الحديث.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث عبدالله بن نجي عن علي - رضي الله عنه -، عن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تِمْثَالٌ)) (2).
فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه الحارث العكلي (3)، واختلف عنه فرواه مغيرة بن مقسم وعمارة بن القعقاع واختلف عنهما، عن الحارث العكلي فأما حديث المغيرة فرواه جرير بن عبد الحميد عنه عن الحارث العكلي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبدالله بن نجي، وخالفه أبو بكر بن عياش، فرواه عن المغيرة عن الحارث، عن عبدالله بن نجي لم يذكر بينهما أبا زرعة.
واختلف عن عمارة بن القعقاع: فرواه عبدالواحد بن زياد عن عمارة، عن الحارث العكلي، عن أبي زرعة عن عبدالله بن نجي حدث به عنه أبو سعيد مولى بني هاشم،
_________
(1) ابن أبي حاتم: العلل (ص 669)، سؤال رقم (799).
(2) أخرجه أبو داود: في السنن، كتاب اللباس، باب في الصور، (ج2/ ص 471)، برقم (4153) من طريق سهيل يعني ابن أبي صالح عن سعيد بن يسار الأنصاري عن زيد بن خالد الجهني عن أبي طلحة الأنصاري، بلفظ: " لاَ تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تِمْثَالٌ ".
(3) الحارث بن يزيد العكلى التيمى الكوفى (ت:؟)، ثقة فقيه من الطبقة السادسة، من الذين عاصروا صغارالتابعين، أخرج له الشيخان، والنسائي وابن ماجه، تهذيب التهذيب (ج2/ص142).
(1/176)
وإسحاق بن عمر بن سليط، وقال مسدد، عن عبدالواحد عن عمارة عن أبي زرعة لم يذكر بينهما الحارث، ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن الحارث العكلي عن أبي زرعة، عن عبدالله بن نجي، عن علي وروي، عن أبي إسحاق السبيعي، وجابر الجعفي، عن ابن نجي وهو غريب عنهما، ويقال أن عبدالله بن نجي (1) لم يسمع هذا من علي وإنَّما رواه عن أبيه عن علي، وليس بقوي في الحديث " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني على الرغم من أن السند ظاهره الصحة هي: عدم سماع عبدالله بن نجي من علي، وحجة الإمام الدارقطني في ذلك أقوال أهل العلم، قد نقله الحافظ ابن حجر في ترجمة عبدالله بن نجي: " قال البخاري وأبو أحمد بن عدي فيه نظر وقال النسائي: ثقة ... ، قلت: قال ابن معين لم يسمع من علي بينه وبينه أبوه، وقال البزار: سمع هو وأبوه من علي وكناه النَّسائي أبا لقمان " (3).
الجنس السابع: قلب جزء من الإسناد أو إبدال رُواة مكان رُواة.
وتنشأ هذه العلة عند حدوث الوهم أو الخطأ من الراوي فيبدل جزءاً من الإسناد ليس من أصل الإسناد، ويبقى بقية الإسناد بنفس السياق، وهذه العلة من العلل الدقيقة التي لا يتفطن إليها إلا كبار وجهابذة النقاد من أهل العلم، وقد وقع الكثير من هذا النوع في كتب العلل، وعلى رأسهم كتاب العلل للإمام الدارقطني، وهذه أمثلة منه:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ
_________
(1) عبدالله بن نجى بن سلمة بن حشم بن أسد بن خليبة الحضرمى الكوفى (ت:؟)، صدوق من الطبقة الثالثة، أخرج له الجماعة إلا الترمذي، تهذيب التهذيب (ج6/ص50).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج3/ص257 - 258)، سؤال رقم (393).
(3) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب (ج6/ص50).
(1/177)
رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان واختلف عنه: فرواه الوليد ابن مسلم، وكثير بن هشام، ويحيى بن عمرو بن عمارة بن راشد أبو الخطاب الليثي عن ابن ثوبان، عن أبيه عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل وخالفهم زيد بن يحيى (2):
فرواه عن ابن ثوبان واختلف عنه فقال سلمة بن شبيب عنه عن ابن ثوبان عن أبيه عن جبير بن نفير، عن مالك بن يخامر، عن معاذ لم يذكر في الإسناد مكحولاً، وكذلك قال كثير بن عبيد عن الوليد، عن ابن ثوبان، وقال عباس الترقفي: عن زيد بن يحيى، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن ابن جبير بن نفير، عن أبيه، عن معاذ. لم يذكر في الإسناد مكحولاً ولا مالك بن يخامر، وزاد فيه عبدالرحمن بن جبير، والصحيح قول من قال عن ابن ثوبان، عن مكحول، عن جبير، عن مالك بن يخامر، عن معاذ " (3).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي أنَّ زيد بن يحيى وهو الخزاعي، أبو عبدالله الدمشقي خالف جمعاً من الثقات منهم الوليد بن مسلم، وكثير بن هشام، ويحيى بن عمرو بن
_________
(1) أخرجه الطبراني: في المعجم الكبير (ج20/ص93) برقم (16938)، على الوجه المعلول الذي أشار إليه الدارقطني في المثال من طريق معاوية بن صالح عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن معاذ بن جبل به، وكذلك أخرجه من الوجه الآخر الذي لم يذكر فيه مكحولاً: (ج20/ص106) برقم (16965)، من طريق عبدالرحمن الدمشقي ثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن جبير بن نفير أنَّ مالك بن يخامر حدثهم أنَّ معاذ بن جبل قال لهم به، وكذا أخرجه من الوجه الراجح عند الدارقطني: (ج20/ص107) برقم (16969)، من طريق عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل به.
(2) زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعى، أبو عبد الله الدمشقى (ت: 207هـ)، ثقة من الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين، أخرج له الأربعة في السنن إلا الترمذي، تهذيب التهذيب (ج3/ص 369).
(3) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج6/ص48 - 49)، سؤال رقم (968).
(1/178)
عمارة بن راشد أبو الخطاب الليثي عن ابن ثوبان، فأبدل جزءاً من الإسناد فقال "عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه" بدلاً من "عن مكحول، عن جبير، عن مالك ابن يخامر"، ثم رجح الدارقطني طريق عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وذلك لرواية الثقات الحديث بهذا الإسناد وهم أوثق من زيد بن يحيى الخزاعي وأكثر عدداً.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه جماعة من الثقات الحفاظ عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب منهم ابن جريح والثوري وعمرو بن الحارث وابن المبارك وإسماعيل
ابن جعفر وغيرهم، ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، واختلف عنه:
فرواه حفص بن غياث عن يحيى عن أخيه سعد بن سعيد، وخالفه إسماعيل بن إبراهيم الصائغ، وعبد الملك بن أبي بكر الحضرمي فروياه، عن يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت لم يذكر في إسناده سعد بن سعيد.
ورواه إسحاق بن أبي فروة (2)، عن يحيى بن سعيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء ووهم فيه وهماً قبيحاً، والصواب حديث أبي أيوب: حدثنا محمد بن مخلد، قال: ثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: ثنا عمرو بن عبد الغفار، عن الحسن بن حي وسفيان بن سعيد الثوري،
_________
(1) أخرجه بوجه آخر الإمام مسلم: في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان، (ج4/ ص312)، برقم (1164).
(2) هو إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبى فروة الفروي، القرشي (ت:226هـ)، صدوق من الطبقة العاشرة، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، أخرج له البخاري والترمذي وابن ماجه كما في تهذيب التهذيب (ج1/ص 217).
(1/179)
عن سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبى أيوب الأنصاري، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ)) " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي أنَّ إسحاق بن أبي فروة وهو الفروي القرشي، أبدل جزءاً من الإسناد من بعد يحيى بن سعيد الأنصاري فقال "عن عدي بن ثابت، عن البراء"، بدلاً من " عمر بن ثابت عن أبى أيوب الأنصاري"، وقد ذكر الدارقطني فحش هذا الغلط في الإسناد، ثم روي بالإسناد الصحيح الراجح الحديث، وحجته في ذلك الرواية التي ساقها، وكذلك مخالفة إسحاق بن أبي فروة للثقات الحفاظ الذين رووا الحديث عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب منهم ابن جريح والثوري وعمرو بن الحارث وابن المبارك وإسماعيل بن جعفر وغيرهم.
الجنس الثامن: شك الراوي في الحديث أو اضطرابه فيما يرويه.
وتنشأ هذه العلة بسبب شك الراواي في حديثه، واضطرابه فيه فهو يرويه على أوجه مضطربة لا تصح، وهذه الظاهرة تدل على عدم حفظ الراوي لحديثه، فيعل النقاد الحديث بالاضطراب، وقد وقع هذا من بعض الحفاظ الكبار، وقد أعلَّ الدارقطني بهذه العلة بعض الأحاديث منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي صالح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: ((قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ فُلاَنًا يَقُولُ خَيْرًا ذَكَرَ أَنَّكَ أَعْطَيْتَهُ دِينَارَيْنِ، قَالَ: لَكِنْ فُلَانٌ لاَ يَقُولُ ذَلِكَ وَلاَ يُثْنِي بِهِ، لَقَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْمِائَةِ ...)) (2) الحديث.
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج6/ص107 - 108)، سؤال رقم (1009).
(2) أخرجه أحمد بن حنبل بالوجه الأقرب للصواب عنده: في المسند (ج3/ص16)، برقم: (11139)، من طريق أبو بكر - بن عياش - عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري، ثم جاء بمتابعة جرير عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد فذكر نحوه.
(1/180)
فقال - الدارقطني -: يرويه الأعمش (1)، واختلف عنه، فرواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد.
وخالفه زياد البكائي وجرير بن عبد الحميد، فروياه عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد ورواه حبان بن علي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر.
وقال أبو كريب: عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وقال عبدالله بن بشر: عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، وليس فيها شئ أقطع على صحته، لأنَّ الأعمش اضطرب فيه، وكل من رواه عنه ثقة إلا حبان " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي اضطراب الأعمش في رواية الحديث فإنَّه يرويه مرة عن أبي سعيد الخدري، ومرة يرويه عن جابر بن عبدالله، ومرة يرويه عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، مما أظهر عدم تثبت الأعمش من الحديث، وقد توقف الدارقطني فلم يحكم بصحة أي الأوجه في الحديث، إلا إنَّه يمكن القول أنَّ الأشبه والأقرب للصواب حديث أبي سعيد الخدري، لوجود متابعات لها أكثر من غيرها، وقد أخرج الإمام أحمد بعض المتابعات كما أشرنا إليها من قبل منها: متابعة جرير عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، والله أعلم.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: عن حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قَالَ: ((خَطَبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا فَقَالَ أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبَ)) (3) الحديث.
_________
(1) هو سليمان بن مهران الأسدى الكاهلي، أبو محمد الكوفى (ت: 148هـ)، ثقة حافظ أحد الأعلام من الطبقة الخامسة، من صغار التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج4/ص 195).
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج11/ص343)، سؤال رقم (2326).
(3) أخرجه أحمد بن حنبل بالوجه الأقرب للصواب عنده: في المسند (ج1/ص32)، برقم (177) من طريق جرير عن عبدالملك بن عمير عن جابر بن سمرة وتمامه: ((قَالَ خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا فَقَالَ أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَحْلِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَيْهَا وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنَالَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)).
(1/181)
فقال - الدارقطني -: يرويه عبدالملك بن عمير (1)، واختلف عنه في إسناده فقيل عنه فيه عدة أقاويل:
ورواه جرير بن حازم، ومحمد بن شبيب الزهراني، وقرة بن خالد، وجرير بن عبدالحميد، وقيل عن شعبة بن الحجاج فقالوا: عن عبدالملك بن عمير، عن جابر بن
سمرة، عن عمر، وخالفهم جماعة ثقات منهم: عبدالله بن المختار، ويونس بن أبي إسحاق، وابنه إسرائيل ومعمر، وعبدالحكيم بن منصور، وحبان ومندل ابنا علي، وسفيان الثوري.
وقيل عن شعبة والمسعودي، وداود بن الزبرقان، والحسين بن واقد، والحصين بن واقد شيخ روى عنه، وأبو بكر بن عياش، وقزعة بن سويد، وأبو عوانة فرووه:
عن عبدالملك بن عمير، عن عبدالله بن الزبير، عن عمر. ورواه شيبان بن عبدالرحمن وشعيب بن صفوان، وعبيدالله بن عمر الرقى، عن عبدالملك بن عمير عن رجل لم يسم عن عبدالله بن الزبير.
وقال عبدالحميد بن موسى، عن عبيدالله بن عمرو، عن عبدالملك، عن مجاهد، عن ابن الزبير، عن عمر ولم يصنع شيئا. وقال عمران هو أخو سفيان بن عيينة عن عبدالملك عن ربعي بن حراش عن عمر.
_________
(1) هو عبدالملك بن عمير بن سويد الفرسي اللخمي، أبو عمرو الكوفى (ت: 136هـ)، ثقة الطبقة الرابعة: تلى الوسطى من التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج6/ص 364).
(1/182)
وقال يحيى بن يعلى أبو المحياة، وزهير ومحمد بن ثابت، عن عبدالملك، عن قبيصة بن جابر، عن عمر.
وقال حماد بن سلمة والمسعودي، وقيس من رواية محمد بن مصعب عنهم، عن عبدالملك عن رجاء بن حيوة، عن عمر.
وقال ابن عيينة، عن عبدالملك، عن رجل لم يسمه، عن عمر. ويشبه أن يكون الاضطراب في هذا الإسناد من عبدالملك بن عمير لكثرة اختلاف الثقات عنه في الإسناد والله أعلم " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي كثرة اضطراب الإسناد ولم يرجح الدارقطني وجهاً على وجهٍ، لتساوي الأوجه في القوة والثبات، ثم جزم أنَّ أصل الاضطراب من عبدالملك بن عمير لكثرة اختلاف الثقات عنه في إسناد الحديث.
الجنس التاسع: إنكار المحدث للحديث الذي روي عنه.
قال الحافظ ابن كثير: " إذا حدث ثقة عن ثقة بحديث، فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية، فاختار ابن الصلاح أنه لا تقبل روايته عنه، بجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي، فإنَّه تقبل روايته عنه. وأما إذا نسيه، فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية. كحديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ". قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه؟ فلم يعرفه " (2).
ولم أجد إلا حديثاً واحداً قد أعلَّه الدارقطني في العلل بهذه العلة مع طول بحث وتفتيش:
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2/ص125)، سؤال رقم (155).
(2) ابن كثير: الباعث الحثيث مختصر علوم الحديث، (ص146).
(1/183)
المثال: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ)) (1).
فقال - الدارقطني -: يرويه سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، حدَّث به عنه سليمان بن بلال، واختلف عنه، فرواه القعنبي، وإسماعيل ابن أبي أويس، ويحيى الحماني وزياد بن يونس، وعبدالله بن وهب عن سليمان بن بلال، عن ربيعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. وخالفهم أبو بكر بن أبي أويس، وعمران بن أبان، روياه عن سليمان ابن بلال عن سُهيل لم يذكرا فيه ربيعة.
والصحيح: عن سليمان بن بلال عن ربيعة، وقد بيَّن ذلك زياد بن يونس في روايته عن سليمان، فقال فيه: قال سليمان: فلقيت سُهيلاً سألته عنه فلم يعرفه، فقلت: حدثني به عنك ربيعة فقال: فحدث به عن ربيعة عني " (2).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي أنَّ سُهيل بن أبي صالح لما سئل عن الحديث الذي رواه لم يعرفه!، ولا شك أنَّ هذا من قبيل النسيان وليس الإنكار، فهو حديث صحيح لا غبار عليه، ولا يعكر صفوه ذكر النُّقاد له في مصنفات العلل، وله شاهد من حديث جابر بن عبدالله أخرجه الترمذي وابن ماجه (3)، وغيرهما كلاهما من طريق محمد بن بشار حدثنا عبدالوهاب حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ))، فدل على أنه ثابت صحيح، والله أعلم.
_________
(1) أخرجه ابن ماجه: في السنن، كتاب الأحكام، باب القضاء بالشاهد واليمين (ج2/ص 793) برقم (2368)، من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
(2) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج10/ص 139)، سؤال رقم (1929).
(3) أخرجه الترمذي: في السنن، كتاب الأحكام، باب ما جاء في اليمين مع الشاهد (ج3/ص 628)، برقم (1344)، وابن ماجه: في السنن، كتاب الأحكام، باب باب القضاء بالشاهد واليمين (ج2/ص 793)، برقم (2369).
(1/184)
الجنس العاشر: علة رواية الحديث عن عدد من الشيوخ بلفظ وسياق واحد.
وتنشأ هذه العلة عندما يروي أحد الرواة حديثاً واحداً، ثم يأتي به على سياق واحد، ومعلوم أنَّ الرواة يختلفون في السياق، وهذا يعني أنَّه أدخل الأحاديث المختلفة في سياقٍ واحدٍ، وهذه علامة على عدم الحفظ، وهي من أدق أجناس العلل وأصعبها.
وقد أوضح الحافظ ابن رجب هذه الظاهرة فقال: "وقال أبو يعلى الخليلي في كتابه الإرشاد: " ذاكرت بعض الحفاظ قلت: لِمَ لَمْ يُدخل البخاري حماد بن سلمة في الصحيح؟.
قال: لأنَّه يجمع بين جماعة من أصحاب أنس، يقول: أخبرنا قتادة، وثابت، وعبدالعزيز بن صهيب عن أنس، وربما يخالف في بعض ذلك.
فقلت: أليس ابن وهب اتفقوا عليه وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: أخبرنا مالك، وعمرو بن الحارث والأوزاعي، ويجمع بين جماعة غيرهم؟!.
فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ. ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره" (1).
وقد أعلَّ الدارقطني بهذه العلة بعض الأحاديث نذكر منها على سبيل المثال:
المثال الأول: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث الأحنف بن قيس عن أبي بكرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا ...)) (2). الحديث.
_________
(1) ابن رجب: شرح علل الترمذي، (ص453 - 454).
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الإيمان، باب (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)، (ج1/ ص107)، برقم (31)، ومسلم، في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، (ج9/ص237)، برقم (2888)، كلاهما من طريق حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة به، على الوجه الصحيح.
(1/185)
فقال - الدارقطني -: يرويه الحسن البصري عن الأحنف واختلف عنه: فرواه أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وهشام بن حسان، ومعلى بن زياد، عن الحسن عن الأحنف. واختلف عن يونس وهشام: فروي عن حماد بن زيد عنهما عن الحسن عن الأحنف، وخالفه أبو خلف عبدالله بن عيسى، ومحبوب بن الحسن، فرواه عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة.
وخالفه أيضاً في روايته عن هشام، وزائدة فروياه عن هشام عن الحسن عن أبي بكرة وكذلك قال أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد عن هشام، ولعل حماد إنَّما جمع بين أيوب وهشام ويونس في الإسناد على حديثيهما على إسناد حديث أيوب، فذكر فيه الأحنف وهما لا يذكرانه، ورواه قتادة، ومعروف الأعور، وجسر بن فرقد، عن الحسن عن أبي بكرة. ولم يذكروا فيه الأحنف والصحيح حديث أيوب حدث به عنه حماد بن زيد ومعمر" (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي أنَّ: "حماد بن زيد جمع بين أيوب وهشام ويونس في الإسناد على حديثيهما على إسناد حديث أيوب، فذكر فيه الأحنف وهما لا يذكرانه ".
وليس هذا بصحيح فإنَّ البخاري ذكر قرينة جعلت من جمع حماد بن زيد بين أيوب ويونس حديثاً واحداً، بسياقٍ واحدٍ؛ لأنَّ مجلس التحديث كان واحداً فذكرا فيه الأحنف بن قيس مما جعل البخاري يرجح هذا الجمع لحماد بن زيد، والقرينة التي ذكرها البخاري هي قوله: " قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به فقالا: إنَّما روى هذا الحديث الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن أبي بكرة. حدثنا سليمان حدثنا حماد بهذا " (2).
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج7/ص162 - 164)، سؤال رقم (1276).
(2) البخاري: في الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الفتن، باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما، (ج13/ص38)، رقم (7083)، بلفظ: ((إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ))، ثم قال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد ذلك: " يعني أن عمرو بن عبيد أخطأ في حذف الأحنف بين الحسن وأبي بكرة، لكن وافقه قتادة أخرجه النسائي من وجهين عنه عن الحسن عن أبي بكرة، إلا أنه اقتصر على الحديث دون القصة، فكأن الحسن كان يرسله عن أبي بكرة فإذا ذكر القصة أسنده ".
(1/186)
فثبت أنَّ إخراج البخاري ومسلم وغيرهما الإسناد من طريق حماد بن زيد، عن أيوب ويونس، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن أبي بكرة، بهذا الجمع صحيح لا غبار عليه للقرينة التي ذكرها البخاري في صحيحه.
المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عمرو بن شرحبيل عن عبدالله - رضي الله عنه -: ((قَالَ رَجُلٌ يَا رسُول اللهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ...)) (1). الحديث
فقال - الدارقطني -: يرويه منصور عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبدالله. ورواه الأعمش، واختلف عنه: فرواه الثوري ومعمر، وجرير وعبدالله بن نمير، عن الأعمش عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبدالله.
وخالفهم أبو شهاب الحناط وأبو معاوية الضرير وشيبان بن عبدالرحمن فرووه: عن الأعمش، عن أبي وائل عن عبدالله.
وكذلك رواه واصل الأحدب واختلف عنه فرواه الثوري وشعبة ومهدي بن ميمون عن واصل عن أبي وائل عن عبدالله.
ورواه عبدالرحمن بن مهدي، عن الثوري، عن واصل، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبدالله، ووهم على الثوري ...
ورواه عبدالرحمن بن مهدي، ومحمد بن كثير، فجمعا بين واصل ومنصور والأعمش عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبدالله. فيشبه أن يكون الثوري جمع بين الثلاثة لعبدالرحمن، ولابن كثير فجعل إسنادهم واحداً، ولم يذكر بينهم خلافاً وحمل حديث واصل
_________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في الجامع الصحيح (مع الفتح)،كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً)، (ج13/ص557)، برقم (7520)، ومسلم في الجامع الصحيح (مع شرح النووي)، كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، (ج1/ ص357)، برقم (86)، كلاهما من طريق جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبدالله - يعني ابن مسعود - به، على الوجه الصحيح.
(1/187)
على حديث الأعمش ومنصور، وفَصَلَهُ يحيى بن سعيد فجعل حديث واصل عن أبي وائل عن عبدالله وهو الصواب؛ لأنَّ شعبة ومهدي بن ميمون روياه عن واصل عن أبي وائل عن عبدالله كما رواه يحيى عن الثوري عنه، والله أعلم " (1).
قلتُ: والعلة التي أشار إليها الدارقطني هي أنَّ: " الوهم الذي وقع فيه سفيان الثوري حيث جمع في هذا الحديث بين رواية ثلاثة وهم: واصل ومنصور والأعمش، ولم يذكر الخلاف بينهم، بل جعل حديث واصل (2) مثل حديث الأعمش، ومنصور، ثم رجَّح الدارقطني التفصيل الذي رواه يحيى بن سعيد، والذي لم يُذكر في حديث واصل "عمرو ابن شرحبيل"، وذلك؛ لأنَّ أغلب من رواه من الرواة من طريق واصل، عن أبي وائل، عن عبدالله بغير ذكر عمرو بن شرحبيل، وهو الصحيح الراجح، والله أعلم.
_________
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج5/ص223)، سؤال رقم (834).
(2) هو واصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي (ت: 120هـ)، ثقة ثبت من الطبقة السادسة عاصر صغار التابعين، أخرج له الستة، تهذيب التهذيب (ج11/ص 91).
(1/188)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

2121-من 8 - من كتاب الجنائز ابن القيم

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها 8 - من كتاب الجنائز 1- باب في الغسل من غسل الميت 62- (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ر...