الجمعة، 7 يناير 2022

21--ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها من كتاب الزكاة والصوم


ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها
من كتاب الزكاة

1- باب في عقوبة مانع الزكاة
39- (1) عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في كُلِّ إبل سَائِمَةٍ1، في كل أربعين: ابنة لَبُون2، لا يُفَرَّقُ إبلٌ عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً3 فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله، عَزْمَةٌ4 من عَزَمَات ربنا، لا يَحِلُّ لآل محمد صلى الله عليه وسلم منها شيء".
تناول ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث بالمناقشة، فذكر أن جماعة ذهبوا إلى أنه منسوخ، وأن ذلك كان في أول الإسلام، وأن آخرين رَدُّوهُ بضعف بهز بن حكيم.
ثم أخذ - رحمه الله - في الرد على هؤلاء وهؤلاء، فقال: "وليس لمن رَدَّ هذا الحديث حجة، ودعوى نسخه دعوى باطلة؛ إذ هي دعوى ما لا دليل عليه، وفي ثبوت شَرْعِيَّة العقوبات المالية عِدَّةُ أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يثبت نسخها بحجة، وعَمِل بها الخلفاء بعده"5.
__________
1 السَّائِمَةُ: الراعية، يقال: سَامَتٍ الماشية، سَوْماً: رعتْ بنفسها، وأَسَامَهَا راعيها، فهي سَائِمَة، والجمع: سَوائِم. (المصباح المنير 1/297) .
2 هي من الإبل ما أتى عليها سنتان ودخلت في الثالثة، فصارت أمها لبوناً، أي ذات لبن؛ لأنها تكون حملت حملاً آخر ووضعته. (النهاية 4/228) .
3 أي طالباً للأجر.
4 عَزْمَةٌ من عزمات ربنا: أي حق من حقوقه، وواجب من واجباته. (النهاية 3/232) .
5 تهذيب السنن: (2/193 - 194) .
(2/345)
ثم أخذ يَرُدُّ على من ضَعَّفَ الحديث ببهز، فنقل جملة من أقوال الأئمة الذي وثقوه وصححوا حديثه، وَرَدَّ على ابن حبان في قوله: "لولا حديثه هذا لأدخلناه في الثقات": بأنه إن لم يكن لضعفه سبب إلا روايته هذا الحديث، وهذا الحديث إنما رُدَّ لضعفه، كان هذا دَورَاً باطلاً، قال: "وليس في روايته لهذا ما يوجب ضعفه؛ فإنه لم يخالف فيه الثقات ... "1
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 2، وأحمد والدارمي في (مسنديهما) 3، وعبد الرزاق في (مصنفه) 4 - ومن طريقه البيهقي5 - وابن الجارود في (المنتقى) 6، والحاكم في (المستدرك) 7 من طرق، عن:
__________
1 تهذيب السنن: (2/194) .
2 د: (2/233) ح 1575 ك الزكاة، باب في زكاة السائمة. س: (5/15) باب عقوبة مانع الزكاة. و (5/25) باب سقوط الزكاة عن الإبل إذا كانت رسلاً … ك الزكاة.
3 حم: (5/2، 4) . مي: (1/333) ح 1684 ك الزكاة، باب ليس في عوامل الإبل صدقة.
(4/18) ح 6824.
(4/105) .
(ح 341) .
(1/398) .
(2/346)
بهز بن حكيم1، عن أبيه2، عن جده3، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، واللفظ المذكور هو لفظ النسائي، ولفظ الباقين نحوه، إلا أنه وقع عند أبي داود: " ... وشطر ماله" بدل: "وشطر إبله". وأما عبد الرزاق، فقد جاء عنده: " ... عزيمة من عزائم ربك، لا تحل لمحمد ولا لآل محمد".
قال أبو عبد الله الحاكم: "حديث صحيح الإسناد - على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة - ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وقال الإمام الشافعي: "وهذا الحديث لا يُثْبِتُهُ أهل العلم بالحديث، ولو ثَبَتَ لقلنا به"4. وضَعَّفَ ابن حبان الحديث ببهز، فقال: "ولولا حديث: إنا آخذوه وشطر إبله ... لأدخلناه في الثقات"5. وقال البيهقي: "هذا حديث قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن، فأما البخاري ومسلم - رحمهما الله - فإنهما لم يُخَرِّجَاه، جرياً على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راوٍ واحدٍ لم يخرجا حديثه في الصحيحين، ومعاوية بن حيدة القشيري لم يثبت عندهما رواية ثقة عنه غير ابنه، فلم يخرجا حديثه في الصحيح"6.
__________
1 ابن معاوية القشيري، أبو عبد الملك، صدوق، من السادسة، مات قبل 160 هـ- / خت 4. (التقريب 128) .
2 هو: حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق، من الثالثة/ خت 4. (التقريب 177) .
3 هو: معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري، صحابي، نزل البصرة ومات بخراسان/ خت 4. (التقريب 537) .
4 التلخيص الحبير: (2/161) .
5 المجروحين: (1/194) .
6 سنن البيهقي: (4/105) .
(2/347)
والواقع أن الْحُكْمَ على هذا الحديث متوقف على الحكم على "بهز بن حكيم"، ومعرفة درجته من الجرح والتعديل؛ فَإِنَّ الرَّجُل مختلف فيه بين الأئمة:
قال يحيى بن معين: "ثقة"1. وقال في هذا الإسناد: "صحيح إذا كان دون بهز ثقة"2 وقال على بن المديني: "ثقة"3. وقال النسائي: "ثقة"4. وقال أبو زرعة: "صالح، ولكنه ليس بالمشهور"5. وقال أبو داود: "هو عندي حُجَّةٌ"6. وقال الترمذي: "ثقة عند أهل الحديث"7. وقال أبو جعفر السبتي: "بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده صحيح"8. وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به، ولم أر له حديثاً منكراً، وإذا حَدَّثَ عنه ثقة فلا بأس به"9. وقال الذهبي: "صدوق فيه لين"10. وتَقَدَّمَ قول ابن حجر فيه: "صدوق". وقد احتجَّ به أحمد، وإسحاق11.
__________
1 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/64) ، وتاريخ الدارمي: (ص82) رقم 199.
2 تهذيب التهذيب: (1/498) .
3 الجرح والتعديل: (1/1/430) .
4 تهذيب التهذيب: (1/498) .
5 الجرح والتعديل: (1/1/431) .
6 تهذيب التهذيب: (1/499) .
7 المصدر السابق.
8 المصدر السابق.
9 الكامل: (2/68) بتصرف.
10 المغني: (1/116) .
11 المجروحين: (1/194) .
(2/348)
ولم يحتج به الشافعي، ولم يحدث عنه شعبة1، وقال ابن حبان: "كان يخطئ كثيراً ... وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث: إنا آخذوه وشطر إبله ... لأدخلناه في الثقات، وهو ممن أستخير الله فيه"2. وقال ابن الطلاع: "مجهول". وقال ابن حزم: "غير مشهور بالعدالة". ونقل ذلك عنهما الحافظ ابن حجر، ثم قال: "وهو خطأ منهما، فقد وَثَّقَهُ خلقٌ من الأئمة ... "3.
فَتَبَيَّنَ من ذلك أن بهزاً قد وَثقَهُ الأكثرون وقبلوه، ولعل حديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله، وهذا ما اختاره الذهبي رحمه الله، فقال: "حديثه حسن"4. والترمذي كثيراً ما يُحَسِّنُ حديثه، وهو مقتضى كلام الأئمة - رحمهم الله - فيه.
وأما ما ذكره البيهقي - رحمه الله - من أن أصحاب الصحيحين إذا لم يكن للصحابي أو التابعي إلا راوٍ واحد لم يخرجا حديثه: فإن هذه الدعوى منتقضة، وقد رَدَّهَا الأئمة، وليس هذا مكان بسط ذلك5.
وعلى فرض صحة هذه الدعوى، فإنها منتفية في حق معاوية؛ إذ روى عنه اثنان غير ابنه حكيم، وهما: عروة بن رويم اللخمي، وحميد اليزني6.
__________
1 تهذيب التهذيب: (1/498) .
2 المجروحين: (1/194) .
3 التلخيص الحبير: (2/161) .
4 المغني: (1/116) .
5 وقد رَدَّ عليه صاحب (الجوهر النقي) : (4/105) فليراجع.
6 انظر: تهذيب التهذيب: (10/205 - 206) .
(2/349)
فَتَلَخَّصَ من ذلك، أن هذا الحديث حسن، وأن من ضَعَّفَهُ ببهز ابن حكيم لم يصب في ذلك، وأن الصواب مع ابن القَيِّم رحمه الله في القول بثبوت هذا الخبر، وقد قال عنه الإمام أحمد: "صالح الإسناد"1. وتقدم تصحيح الحاكم له، وموافقة الذهبي إياه.
__________
1 التلخيص الحبير: (2/161) .
(2/350)

========


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها
من كتاب الصوم
1 ـ باب السواك للصائم
...
1- باب السواك للصائم
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وصحَّ عنه أنه كان يستاك وهو صائم"1. ولعله - رحمه الله - يشير بذلك إلى حديث:
40 - (1) عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رَأَيْت النبي صلى الله عليه وسلم مَا لا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وهو صائم".
وقد سَكَتَ - رحمه الله - عن حديث عامر هذا في (تهذيب السنن) 2.
قلت: وهذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والترمذي في (جامعه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، وابن خزيمة في (صحيحه) 6، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 7، والعقيلي في (الضعفاء) 8، كلهم من طريق:
__________
1 زاد المعاد: (2/61) .
(3/240) .
(2/768) ح 2364 ك الصوم، باب السواك للصائم.
(3/95) ح 725، ما جاء في السواك للصائم.
(3/445) .
(3/247) ح 2007، باب الرخصة في السواك للصائم.
7 قط: (2/202) ح 2 - 4. هق: (4/272) .
(3/334) . في ترجمة "عاصم بن عبيد الله".
(2/353)
سفيان الثوري، عن عاصم بن عبيد الله1، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة2، عن أبيه عامر به. ولفظ مسدد عند أبي داود: "ما لا أَعُدُّ ولا أحصي". وكذا قال جعفر بن محمد الثعلبي عند ابن خزيمة.
وهذا الحديث ضعيف، في إسناده "عاصم بن عبيد الله العُمَرِي" وقد ضَعَّفَهُ غير واحد من الأئمة، فقال كلُّ من: البخاري3، وأبي حاتم4، وأبي زرعة5: "منكر الحديث". وقال ابن معين: "ضعيف"6. وقال النسائي: "لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله ... "7 وقال الدارقطني: "مدني يترك، وهو مغفل"8. وقال ابن حبان: "كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، فَتُرِكَ من أجل كثرة خطئه"9. وَضَعَّفَهُ غير هؤلاء10.
__________
1 ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي، المدني، ضعيف، من الرابعة، مات في أول دولة بني العباس، سنة 132/ عخ4. (التقريب 285) .
2 العَنَزِي، أبو محمد المدني، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه صحبة مشهورة، وَثَّقَهُ العجلي، مات سنة بضع وثمانين/ ع. (التقريب 309) .
3 الضعفاء الصغير: (ص180) .
4 الجرح والتعديل: (3/1/348) .
5 المصدر السابق.
6 تاريخ الدوري: (2/283) .
7 تهذيب التهذيب: (5/48) .
8 سؤالات البرقاني للدارقطني: (ص49) .
9 المجروحين: (2/127) .
10 انظر: تهذيب التهذيب: (5/47 - 48) .
(2/354)
وخالف العِجْلِيُّ، فقال: "لا بأس به"1.
وقد ضَعَّفَ الحديث جماعة لأجل عاصم هذا: فقال ابن خزيمة عقب إخراجه إياه: "وأنا بريء من عهدة عاصم"2. ثم نقل بعض أقوال مُضَعِّفِيه، واعتذر عن إخراجه في كتابه بأن شعبة والثوري قد رويا عنه. وقال العقيلي: "ولا يُروى بغير هذا الإسناد إلا بإسناد لَيِّنٍ". وقال الدارقطني عقب إخراجه: "عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه". وقال البيهقي: "عاصم بن عبيد الله ليس بالقويِّ"3. وقال المنذري: "في إسناده عاصم بن عبيد الله، وقد تَكَلَّمَ فيه غير واحد"4. وقال ابن حجر: "وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف"5. وعَلَّقَهُ البخاري في (صحيحه) 6 بصيغة تمريض، فقال: "ويذكر عن عامر بن ربيعة ... ".
وقد انفرد الترمذي - رحمه الله - بتحسينه، فقال: "حديث حسن". ويبدو أن ابن القطان يوافقه على ذلك؛ حيث قال: "وهو حديث يرويه الثوري، عن عاصم بن عبيد الله، وعاصم مختلف فيه، فبحق قيل فيه: حسن"7. وقال ابن الملقن: "إنما لم يصححه - يعني الترمذي -؛ لأن
__________
1 الثقات: (بترتيب الهيثمي) : (ص241) .
2 صحيح ابن خزيمة: (3/248) .
3 السنن: (1/272) .
4 مختصر السنن: (3/241) .
5 التلخيص الحبير: (1/68) .
6 انظر: فتح الباري مع البخاري: (4/158) ك الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم.
7 بيان الوهم والإيهام: (3/441) ح 1196.
(2/355)
في إسناده عاصم بن عبيد الله ... "1.
قلت: فظاهر كلامهما - يعني: ابن القطان وابن الملقن - أن الترمذي حَسَّنَهُ لأجل وجود عاصم بن عبيد الله في إسناده، ولولا ذلك لَصَحَّحَهُ! والأمر على خلاف ذلك؛ فإن الجمهور على ضعف هذا الرجل كما سلف من كلامهم رحمهم الله، فَيَتَرَجَّحُ بذلك ضعف الحديث لا حُسْنُهُ.
أما ابن القَيِّم رحمه الله: فإنه يرى صحة الحديث كما مضى من كلامه في (زاد المعاد) ، وكما يُفهم من سكوته عليه في (تهذيب السنن) .
ولكن مع ضَعْفِ هذا الحديث، فإن العمل عليه، قال الترمذي رحمه الله: "والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بالسواك للصائم بأساً ... ".
فيكون الاحتجاج في ذلك بعموم النصوص الواردة في الترغيب في السواك لا بهذا الخبر، وقد عَبَّرَ عن ذلك ابن القَيِّم بقوله: "ولو احْتُجَّ عليه بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". لكانت حُجَّةً، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب" وسائر الأحاديث المُرَغِّبَة في السواك من غير تفصيل ... "2. فهذا أولى من الاحتجاج بحديث عاصم هذا، والله أعلم.
__________
1 البدر المنير: (3/175) .
2 تهذيب السنن: (3/241) .
(2/356)
ومن الأحاديث التي تناولها ابن القَيِّم - رحمه الله - في هذا الباب:
41- (2) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكِ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (زاد المعاد) 1 وَضَعَّفَهُ، فإنه صَدَّرَهُ بصيغة تمريض، فقال: "ويذكر عنه ... "، ثم قال: "رواه ابن ماجه من حديث مُجَالِد، وفيه ضعف".
وأورده - رحمه الله - مستشهداً به ساكتاً عنه في (تهذيب السنن) 2؛ فإنه قال عند حديث عامر بن ربيعة - الماضي ذكره قبل هذا-: "وقد روى ابن ماجه من حديث عائشة ... " فذكره.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 3، والدارقطني والبيهقي كذلك في (سننيهما) 4، ثلاثتهم من طريق:
أبي إسماعيل الْمُؤَدِّب5، عن مجالد بن سعيد6، عن الشعبي، عن
__________
(2/63) .
(3/240 - 241) .
(1/536) ح 1677 ك الصوم، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم.
4 قط: (2/203) ح 6. هق: (4/272) باب السواك للصائم.
5 هو: إبراهيم بن سليمان بن رزين الأردني، نزيل بغداد، مشهور بكنيته، صدوق يُغْرِب/ ق. (التقريب 90) .
6 ابن عمير الهمداني، أبو عمرو الكوفي، لَيْسَ بِالقَوِيّ وقد تَغَيَّر في آخر عمره، من صغار السادسة، مات سنة 144هـ/ م4. (التقريب 520) .
(2/357)
مسروق، عن عائشة رضي الله عنها به، واللفظ المتقدم هو لفظ ابن ماجه، وعند الدارقطني والبيهقي: "خير خصال ... " بدون "من". إلا أن الدارقطني في رواية ابن منيع جاء به مثل لفظ ابن ماجه.
وقد أشار إليه الترمذي في (جامعه) 1، فإنه قال - عقب إخراجه حديث عامر بن ربيعة المتقدم -: "وفي الباب عن عائشة".
وإسناد هذا الحديث ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، فقد تكلم فيه الأئمة: قال البخاري: "كان يحيى القطان يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي ... "2. وقال الإمام أحمد: "ليس بشيء، يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس"3. وقال ابن معين: "لا يحتجُّ بحديثه"4. وقال مرة: "ضعيف واهي الحديث"5. وقال النسائي: "ضعيف"6. وقال ابن أبي حاتم: "سُئل أبي عن مجالد بن سعيد، يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا. وهو أحبُّ إليَّ من بشر بن حرب وأبي هارون العبدي ... وليس مجالدٌ بقويٍّ في الحديث"7. وقال ابن حبان: "كان رديء الحفظ يَقْلِبُ الأسانيدَ ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به"8.
__________
(3/95) .
2 الضعفاء الصغير: (ص232) .
3 تهذيب التهذيب: (10/40) .
4 تاريخ الدوري: (2/549) .
5 تهذيب التهذيب: (10/40) .
6 الضعفاء والمتروكين: (ص96) .
7 الجرح والتعديل: (4/1/362) .
8 المجروحين: (3/10) .
(2/358)
ومع ذلك فقد ذهب جماعة إلى أن أمره مُحْتَمَل، فقال العِجْلي: "جائز الحديث، حسن الحديث، إلا أن عبد الرحمن بن مهدي كان يقول: أشعث بن سَوَّار أَقْوَى منه. والنَّاس لا يتابعونه على هذا، كان مجالد أرفع من أشعث بن سوار"1. وقال يعقوب بن سفيان: "تَكَلَّمَ الناس فيه، وهو صدوق"2. وقال الإمام أحمد: "وقد احتمله الناس"3. وَوَثَّقَه النسائي مرة4. وقال السَّاجي: "قال محمد بن الْمُثَنَّى: يُحْتَمَل حديثه لصدقه"5. وقال البخاري: "صدوق"6. وقال الذهبي: "مشهور، صالح الحديث"7. وقال مرة: "مشهور صاحب حديث، على لِينٍ فيه"8.
فَتَلَخَّصَ من ذلك أنَّ مجالداً هذا ليس شديد الضَّعْفِ بحيثُ يُطْرَحُ حديثه بالْكُلِّية، وإنما أمره محتملٌ، فَيُعْتَبَرُ بحديثه إذا وافق الثقات وروى ما روى الناس، وأما إذا انفرد فلا يُحْتَجُّ به، لما تَقَدَّمَ من كلام الأئمة في شأنه. وقد أخرج له مسلم - رحمه الله - في (صحيحه) مقروناً9، ولعلَّ مقالة ابن القَيِّم: "فيه ضعف" تشعر بهذا الذي قدمنا، فإنها لا شكَّ لا تفيد مطلق الضعف، وسيأتي من كلام غيره ما يُشْعِرُ بذلك أيضاً.
__________
1 الثقات "ترتيب الهيثمي": (ص 420) .
2 تهذيب التهذيب: (10/41) .
3 تهذيب التهذيب: (10/40) .
4 المصدر السابق.
5 المصدر السابق: (10/41) .
6 المصدر السابق.
7 المغني: (2/542) .
8 الميزان: (3/438) .
9 تهذيب التهذيب: (10/41) .
(2/359)
والذي يظهر أنه قد انفرد برواية هذا الأمر، نعم رُوِيَ هذا الحديث من طريق مسروق عن عائشة عن غير مجالد، لكن في إسناده: السري بن إسماعيل1، وهو متروك الحديث منكره، كما قال غير واحد2. ولم أقف على من أخرج هذه الطريق، وإنما ذكرها ابن الملقن - رحمه الله - في (البدر المنير) 3، وذكر أيضاً4: أن أبا نعيم رواه، ولم أقف عليه في (الحلية) ولا في (معرفة الصحابة) له، وقال ابن حجر: "ورواه أبو نعيم من طريقين آخرين عنها"5. ولم يبينهما.
وقد ضَعَّفَ حديث مجالد هذا جماعة، فقال الدارقطني عقب إخراجه: "مجالد غيره أثبت منه ". وكذا قال البيهقي. وقال البوصيري: "إسناد ضعيف لضعف مجالد"6. وقال ابن الملقن: "في إسناده مجالد، وفيه مقال"7. وقال الحافظ ابن حجر: "ضعيف"8.
قلت: فقد تَبَيَّنَ من ذلك أن هذا الحديث ضعيف وإن وَثقَ بعضهم مجالداً، وبذلك لا يثبتُ الترغيب في السواك للصائم بهذا
__________
1 الهمداني، الكوفي، ابن عم الشعبي، متروك الحديث، من السادسة/ ق. (التقريب230) .
2 انظر: تهذيب التهذيب: (3/459 - 460) .
(3/179) .
4 البدر المنير (3/180) .
5 التلخيص الحبير: (1/68) .
6 مصباح الزجاجة: (2/66) .
7 البدر المنير: (3/179) .
8 التلخيص الحبير: (1/68) .
(2/360)
الحديث، ولكن يثبت ذلك بعموم الأحاديث الواردة في الترغيب فيه كما قَدَّمْنَا.
وكما أنه لا يثبت في الترغيب في السواك للصائم شيء، كذلك لا يثبت في المنع منه والنهي عنه شيء، قال ابن القيم: "ولم يجئ في منع الصائم منه حديث صحيح"1.
وعلى هذا فقد وُفِّقَ ابن القَيِّم لَمَّا ضَعَّفَهُ في (زاد المعاد) ، فوافق بذلك جملة من رَدَّهُ من العلماء، وأما إيراده في (تهذيب السنن) مستشهداً به ساكتاً عليه، فالمعتبر كلامه الأول إن شاء الله، والله أعلم.
__________
1 تهذيب السنن: (3/241) .
(2/361)
2- باب القبلة للصائم
42- (3) حديث عَائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (زاد المعاد) 1، وذكر أنه قد اخْتُلِفَ فيه، فَضَعَّفَهُ جماعة، وَحَسَّنَهُ آخرون. وتَكَلمَ عليه في (تهذيب السنن) 2 فلم يذكر إلا تضعيفه، فنقل عن أبي داود وعبد الحقِّ أنهما ضَعَّفَا إسناد هذا الحديث.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، وأحمد في (مسنده) 4 وابن خزيمة في (صحيحه) 5، والبيهقي في (سننه) 6، من طرق، عن:
محمد بن دينار7، عن سعد بن أوس8، عن مِصْدَع9، عن
__________
(2/58) .
(3/263 - 264) .
(2/780) ح 2386 ك الصوم، باب الصائم يبلع الريق.
(6/123، 234) .
(3/246) ح 2003 ك الصوم، باب الرخصة في مصِّ الصائم لسان المرأة خلاف من كره القبلة للصائم على الفم.
(4/234) باب إباحة القبلة لمن لم تحرك شهوته، أو كان يملك إِرْبَهُ.
7 الأزدي، ثم الطَّاحي، أبو بكر بن أبي الفرات البصري، صدوق سيء الحفظ، ورُمِيَ بالقدر، وتغير قبل موته، من الثامنة / د ت. (التقريب 477) .
8 العدوي، أو العبدي، البصري، صدوق له أغاليط، من الخامسة / د ت س. (التقريب 230) .
9 أبو يحيى الأعرج المعرقب، مقبول، من الثالثة/ م 4. (التقريب 533) .
(2/362)
عائشة رضي الله عنها به.
وفي إسناد هذا الحديث جماعة مُتَكَلَّمٌ فيهم:
أولهم: محمد بن دينار الطاحي، وقد ذكر ابن القيم –رحمه الله– أنَّ عبد الحق ضَعَّفَ الحديث به، وأنَّ ابن عديّ ذهب إلى تفرده بلفظة "ويمص لسانها".
ومحمد هذا قد اختلفت فيه أقوال الأئمة، فقال ابن معين1، والنسائي2، وأبو حاتم3، والعجلي4: "لا بأس به". وقال أبو زرعة: "صدوق"5. وقال ابن معين في رواية معاوية بن صالح: "ضعيف"6. وفي سؤالات ابن الجنيد لابن معين7: سأله ابن الغلابي عنه؟ فقال: "ليس به بأس". فعاوده، فقال: "ليس بالقويِّ". وفيها - أيضاً - قول ابن معين: "ليس بذاك القويِّ"8. وقال النسائي مرة: "ضعيف"9. وقال أبو داود: "تَغَيَّرَ قبل أن يموت"10. وقال الدارقطني: "ضعيف". ومرة قال:
__________
1 تهذيب التهذيب: (9/155) .
2 المصدر السابق.
3 الجرح والتعديل: (3/2/250) .
4 الثقات: ترتيب الهيثمي: (ص403) .
5 الجحر والتعديل: (3/2/250) .
6 الضعفاء للعقيلي: (4/63) .
(ص 409) .
8 المصدر السابق: (427) .
9 تهذيب التهذيب: (9/155) .
10 المصدر السابق.
(2/363)
"متروك"1. وقال العقيلي: "في حديثه وَهْمٌ"2. وقال ابن عدي: "حسن الحديث، وعامة حديثه يتفرد به"3. وقال الذهبي: "حَسَّنُوا أمره"4. وأما ابن حبان - رحمه الله - فإنه ذكره في (المجروحين) 5 وقال فيه: "كان يخطئ، لم يفحش خطؤه حتى استحق الترك، ولا سَلَكَ سنن الثقات مما لا ينفكُّ منه البشر فَيُسْلَك به مسلك العدول، فالإنصاف في أمره: تركُ الاحتجاج بما انفرد، والاعتبار بما لم يخالف الثقات، والاحتجاج بما وافق الأثبات" ولأجل ذلك فقد ذكره - رحمه الله - في (الثقات) 6.
قلت: والأمر فيه على ما قال ابن حبان رحمه الله، ومن تَأَمَّلَ أقوال الأئمة فيه توثيقاً وتضعيفاً علم أن حاله لا يخرج عمَّا وصف ابن حبان؛ فإن الرجل صدوقٌ ليس في المرتبة العليا من التوثيق، كما يشعر به قول أكثرهم: "ليس به بأس"، وهو - مع ذلك - في حفظه خللٌ لا ينزل به إلى درجة ترك حديثه، فيكون حديثه في منزلة الحسن كما وصفه ابن عديّ، وَأَقَرَّهُ الذهبي، وذلك حيث يوافق غيره من أهل الضبط والعدالة، فإن خالف وانفرد بما لا يُتَابَعُ عليه طُرِحَت روايته، وهذا ما قَرَّرَهُ ابن حبان.
__________
1 وكلا القولين في (سؤالات البرقاني للدارقطني) : (ص59) .
2 الضعفاء: (4/63) .
3 الكامل: (6/199) .
4 الكاشف: (3/36) .
(2/272) .
(7/419) .
(2/364)
ولما كانت هذه الزيادة وهي قوله: " ويمص لسانها" قد انفرد بها محمد بن دينار هذا - كما قرره ابن عدي، حيث قال: "قوله: ويمص لسانها. لا يقوله إلا محمد بن دينار"1. وقال الذهبي: "هذه اللفظة لا توجد إلا في هذا الخبر"2 - لما كان كذلك، فإن هذه اللفظة تكون ضعيفة بسبب ضعف محمد هذا. وقد ضَعَّفَهَا به غير واحدٍ كما سيأتي من كلامهم.
ثانيهم: مِصْدَع أبو يحيى، راويه عن عائشة رضي الله عنها، وقد اخْتُلِفَ فيه أيضاً، فقد وَثَّقَهُ العجلي3، وقال الجوزجاني: "كان زائغاً حائداً عن الطريق"4. لكن تَعَقَّبَه ابن حجر فقال: "والجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف، فلا يقدح فيه قوله"5. وقال ابن حبان: "كان ممن يخالف الأثبات في الروايات، وينفرد عن الثقات بألفاظ الزيادات، مما يوجب ترك ما انفرد منها، والاعتبار بما وافقهم فيها"6. وقال الذهبي: "صدوق، قد تكلم فيه"7.
وذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 8 ولم يذكر فيه جرحاً
__________
1 الكامل: (6/198) .
2 الميزان: (3/541) .
3 الثقات: ترتيب الهيثمي: (ص429) .
4 أحوال الرجال: (ص144) .
5 تهذيب التهذيب: (10/158) .
6 المجروحين: (3/39) .
7 الميزان: (4/118) .
(4/1/429) .
(2/365)
ولا تعديلاً. وقال ابن خزيمة: "لا أعرفه بعدالة ولا جرح"1.
فالرجل وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وَتَوَقَّفَ في أمره بعضهم، وخَلص الحافظ ابن حجر - رحمه الله - إلى أنه "مقبول"، يعني حيث يُتابع، وإلا فهو لَيِّنُ الحديث. وهو هنا لم يتابع على زيادته تلك، فيكون إلى الضعف أقرب. وقد ذهب ابن حبان - أيضاً - إلى ترك ما انفرد به.
وثالثهم: سعد بن أوس، فإنه - أيضاً - وَثَّقَهُ جماعة وضعفه آخرون، فقال ابن معين: "بصريٌّ ضعيف"2. قال عبد الحق: "لا يحتجُّ به"3. وقال السَّاجي: "صدوق"4. وذكره ابن حبان في (الثقات) 5. وقال الذهبي: "يُضَعَّفُ"6.وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق له أغاليط"7.
فَتَلَخَّصَ: أن هذا الحديث ضعيف السَّنَدِ، وأن زيادة كلمة "يمص لسانها" في متنه لا تصحُّ؛ لتفرد مِصْدَع بها عن عائشة، وأن غيره من الثقات رووا هذا الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - فلم يذكروا فيه هذه الزيادة، من ذلك: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
__________
1 صحيح ابن خزيمة: (3/246) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/80) .
3 نصب الراية: (4/253) .
4 تهذيب التهذيب: (3/467) .
(6/377) .
6 الميزان: (3/542) .
7 التقريب: (ص230) .
(2/366)
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلُ بعضَ نسائه وهو صائم"، أخرجه البخاريُّ في (صحيحه) 1.
وقد حكم عليه بالضعف جماعة من العلماء، فقال أبو داود - كما نقل عنه ابن الأعرابي -: "هذا الإسناد ليس بصحيح". وقال ابن خزيمة: "باب الرخصة في مصِّ الصائم لسان المرأة ... إن صحَّ الاحتجاج بمصدع أبي يحيى". وقال ابن عدي: "قوله: ويمص لسانها. لا يقوله إلا محمد بن دينار، وهو الذي رواه"2. وقال عبد الحق: "هذا حديث لا يصحُّ ... "3. وذكره ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 4 وَضَعَّفُهُ بالثلاثة الماضي ذكرهم. وضعفه ابن القطان بمصدع فقط5. وأشار الذهبي إلى أن هذه اللفظة لم تَرِدْ إلا في هذا الخبر6. وقال الزيلعي: "هذا حديث لا يصحُّ"7. وقال ابن حجر: "إسناده ضعيف، ولو صحَّ فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها"8.
وبعد، فهذه أقوال الأئمة - رحمهم الله - في هذا الحديث.
وأما ابن القَيِّم: فقد ذكر في كتابه (زاد المعاد) أن الحديث مختلف
__________
1 ك الصلاة، باب القبلة للصائم، ح 1928. (فتح الباري 4/152) .
2 الكامل: (6/198) .
3 نصب الراية: (4/253) .
(2/53 - 54) .
5 نصب الراية: (4/253) .
6 الميزان: (3/541) .
7 بيان الوهم والإيهام: (3/111) ح 803.
8 فتح الباري: (4/153) .
(2/367)
فيه ما بين مُضَعِّفٍ له ومُحَسِّنٍ، ولم أقف على قول من حَسَّنَه. وأما في كتابه (تهذيب السنن) فيبدو أنه يُرَجِّحُ ضَعْفَ هذه الزيادة في الحديث، حيث نقل عن أبي داود، وعبد الحق القول بضعفه، وهو الصواب، كما تقدم في أقوال الأئمة الماضي ذكرهم، والله أعلم.
(2/368)
3- باب ما جاء في الإفطار في السفر
43- (4) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّائِمُ في السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ في الْحَضَرِ".
ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1 وعزاه إلى النسائي، ثم قال: "ولا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وإنما هو موقوف".
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2 من طريق:
عبد الله بن موسى3 التيمي، عن أسامة بن زيد4، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَائِمُ رمضانَ في السَّفَرِ كالمفطرِ في الْحَضَرِ".
وأخرجه البزار في (مسنده) 5 من الطريق نفسه، لكن قال فيه: "عبد الله بن عيسى المدني" بدل "عبد الله بن موسى". وقد ذكره ابن القطان من جهة البزار، ثم قال: "هكذا قال: عبد الله بن عيسى المدني، وقال
__________
(3/285) .
(1/532) ح 1666، باب ما جاء في الإفطار في السفر.
3 ابن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي، أبو محمد المدني، صدوق كثير الخطأ، من الثامنة/ق. (التقريب 325) .
4 الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يَهِم، من السابعة، مات سنة 153هـ- / خت م 4. (التقريب 98) .
(3/236) ح 1025.
(2/369)
غيره: عبد الله بن موسى التيمي، وهو أشبه بالصواب"1. ولفظ البزار كلفظ ابن ماجه إلا أن عنده "كمفطره".
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) 2 من طريق: يزيد بن هارون، ثنا يزيد بن عياض3، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً. وسيأتي كلام ابن عديّ عليه بعد قليل.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعلتين:
أولاهما: أنه لا يصحُّ رفعه، بل الصواب فيه موقوف على عبد الرحمن بن عوف، كما تقدم من كلام ابن القَيِّم.
الثانية: أنه منقطع بين أبي سلمة وأبيه عبد الرحمن بن عوف.
أما العلة الأولى: وهي أنه لا يصح مرفوعاً، وأن الصواب وقفه: فإنه قد أخرجه النسائي في (سننه) 4 من طريق: معن بن عيسى5، عن ابن أبي ذئب6، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه
__________
1 انظر: نصب الراية: (2/462) .
(7/2720) .
3 ابن جعدبة الليثي، أبو الحكم المدني، نزيل البصرة، وقد يُنْسَبُ لجده، كَذَّبَهُ مالك وغيره، من السادسة/ ت ق. (التقريب 604) .
(4/183) ك الصوم، باب ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
5 أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، مات سنة 198 هـ- / ع. (التقريب 542) .
6 هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي، العامري، أبو الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة، مات سنة 158 هـ- / ع. (التقريب493) .
(2/370)
عبد الرحمن بن عوف أنه قال: "يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر". هكذا موقوفاً على عبد الرحمن بن عوف، وبدون ذكر "رمضان".
ثم أخرجه1 من طريق حماد بن خالد الخَيَّاط2 وأبي عامر3، قالا: حدثنا ابن أبي ذئب بالإسناد السابق، وليس فيه قوله: "يقال".
وهذا إسناد صحيح، وقد رَجَّحَ جماعة من العلماء الرواية الموقوفة، منهم: أبو حاتم، فقد سأله عنه ابنه، فذكر الاختلاف فيه، ثم قال: "الصحيح: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه موقوفاً"4. كذا نقل الزيلعي5، وابن حجر6 عن ابن أبي حاتم، والذي في (العلل) أن الكلام لأبي زرعة! وأظنه خطأ، لما نقله هذان الإمامان عن ابن أبي حاتم، وأيضاً السؤال وَجَّهَهُ ابن أبي حاتم لأبيه، فالله أعلم.
وقال البزار: "هذا الحديث أسنده أسامة بن زيد، وتابعه على إسناده يونس. وقد رواه ابن أبي ذئب وغيره: عن الزهري، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبيه موقوفاً من قول عبد الرحمن، ولو ثبت مرفوعاً
__________
1 سنن النسائي: (4/183) .
2 القرشي، أبو عبد الله البصري، نزيل بغداد، ثقة أُمِّيٌّ، من التاسعة/ م 4. (التقريب 178) .
3 هو: عبد الملك بن عمرو القيسي، العقدي، ثقة، من التاسعة، مات سنة 204هـ- أو 205/ع. (التقريب 364) .
4 علل ابن أبي حاتم: (1/238 - 239) ح 694.
5 نصب الراية: (2/462) .
6 التلخيص الحبير: (2/205) .
(2/371)
لكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم حين خَرَجَ فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر وأمر الناس بالفطرِ دليلاً على نسخ هذا الحديث؛ لأنه يؤخذ بالآخر ... "1.
وجَزَمَ ابن عدي بوقفه، فقال - بعد أن أخرجه -: "وهذا الحديث لا يرفعه عن الزهري غير يزيد بن عياض ... من رواية سلام بن روح عنه، ويونس بن يزيد من رواية القاسم بن مبرور عنه، وأسامة بن زيد، من رواية عبد الله بن موسى التيمي. والباقون من أصحاب الزهري: رووه عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه من قوله"2.
ورَجَّحَ الدارقطني - كذلك - رواية الوقف كما نقله عنه ابن حجر3. وكذا البيهقي، فقال: "هو موقوف ... ورُوِيَ مرفوعاً، وإسناده ضعيف"4.
ونقل ابن حجر عن النسائي أنه صَوَّبَ وقفه أيضاً5، ولم أقف على قولة النسائي في ذلك.
وقد تابع أبا سلمة بن عبد الرحمن على وقفه: أخوه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، فأخرجه النسائي - أيضاً - في (سننه) 6 من طريق: أبي معاوية، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حميد، عن أبيه عبد الرحمن به.
__________
1 مسند البزار: (3/237 - 238) .
2 الكامل: (7/2720) .
3 التلخيص الحبير: (2/205) .
4 سنن البيهقي: (4/244) .
5 التلخيص الحبير: (2/205) .
(4/183) .
(2/372)
وهذا إسناد صحيح أيضاً، بل قال ابن حزم رحمه الله: "وهذا سندٌ في غاية الصحة"1. وصححه كذلك الشيخ الألباني2. فهذه الرواية تؤيد رواية أبي سلمة المتقدمة عن أبيه موقوفاً، وأنها هي الصواب، وأن الرواية المرفوعة خطأ.
قلت: وإسناد الرواية المرفوعة فيه "أسامة بن زيد الليثي"، وفيه ضَعْفٌ من قبل حفظه3، وقد ضَعَّفَ ابنُ حزم الرواية المرفوعة به، فقال: "وأما نحن فلا نحتجُّ بأسامة بن زيد الليثي، ولا نراه حجةً لنا ولا علينا"4. وكذا ضَعَّفَ إسناده البيهقي5، والبوصيري6. فلعلَّ الوهمَ في هذا الحديث جاء من قِبَلِهِ بجعله هذا الحديث مرفوعاً، وخالفه من هو أوثق منه وأتقن: ابن أبي ذئب، فوقفه على عبد الرحمن بن عوف، وحكم الأئمة له، وقدموا روايته.
وأما العلة الثانية، وهي انقطاعه: فإن أبا سلمة لم يسمع من أبيه شيئاً، كما قال البخاري وابن معين7. ولذلك فقد أعله غير واحد بأنه منقطع، فقال البيهقي: "في إسناده انقطاع"8. وأَقَرَّهُ على ذلك
__________
1 الْمُحَلَّى: (6/257) .
2 السلسلة الضعيفة: (ح498) .
3 تنظر ترجمته في (تهذيب التهذيب) : (1/208 - 210) .
4 المحلى: (6/258) .
5 السنن: (4/244) .
6 مصباح الزجاجة: (2/64) .
7 انظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص255) ، وجامع التحصيل: (ص260) .
8 السنن: (4/244) .
(2/373)
النووي1 رحمه الله. وقال الزيلعي: "وفي سماع أبي سلمة من أبيه نظر"2. وقال البوصيري: "منقطع ... أبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئاً، قاله ابن معين والبخاري"3. وقال ابن حجر: "ومع وقفه فهو منقطع؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه"4.
ولكن لم يرض ابن حزم - رحمه الله - بذلك، فقال في (المحلى) 5: "إسناد صحيح، وقد صحَّ سماع أبي سلمة من أبيه".
قلت: وقوله مُعَارَضٌ بقول من نقلنا أقوالهم قبل قليل.
وبعدُ، فقد ظهر أن الصواب في هذا الحديث: أنه موقوف، ومع وقفه فإنه منقطع الإسناد، وقد ذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - من ذلك: عدم صحة رفعه فقط، ولم يتعرض لانقطاعه، وقد نقلتُ أقوال الأئمة في تقرير ذلك. والله أعلم.
__________
1 انظر: المجموع: (6/219) .
2 نصب الراية: (2/462) .
3 مصباح الزجاجة: (2/64) .
4 فتح الباري: (4/184) .
(6/257) .
(2/374)
4- باب في صيام يوم عرفة
44- (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: "نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ بِعَرَفَة".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وفي إسناده نظر؛ فإن مَهْدِي بن حرب العَبْدِي ليس بمعروف، ومداره عليه"1. وقال مرة: "ورُوِي عنه أنه نهى ... "2. فَصَدَّرَهُ بصيغة تمريض.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه في (سننيهما) 3، والنسائي في (الكبرى) 4، وأحمد في (مسنده) 5، والبخاري في (تاريخه) 6، وابن خزيمة في (صحيحه) 7، والحاكم في (المستدرك) 8، والبيهقي في (السنن) 9، والعقيلي في (الضعفاء) 10، كلهم من طريق:
__________
1 زاد المعاد: (1/61) .
2 المصدر السابق: (2/77) .
3 د: (2/816) ح 2440 ك الصوم، باب في صوم يوم عرفة بعرفة، جه: (1/551) ح 1732 ك الصوم، باب صيام يوم عرفة.
(3/229) ح 2844.
(2/304، 446) .
6 الكبير: (4/1/424) .
(3/292) ح 2101 ك الصوم.
(1/434) .
(4/284) ، (5/117) .
10 (1/298) ترجمة "حوشب بن عقيل".
(2/375)
حوشب بن عقيل1، عن مهدي بن حرب2، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ساقه ابن القَيِّم هنا، وهو لفظ: البخاري في (تاريخه) ، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي.
وعند أبي داود قول عكرمة: "كنا عند أبي هريرة في بيته، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ... " الحديث.
وعند أحمد والنسائي: قال عكرمة: "دخلت على أبي هريرة فسألته ... ".
والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ فإن مهدي بن حرب لم يوثقه غير ابن حبان3، وقال ابن معين: "لا أعرفه"4. وقال ابن حزم: "فإنه من رواية حوشب بن عقيل، وليس بالقويِّ، عن مهدي الهجري، وهو مجهول، ومثل هذا لا يُحْتَجُّ به"5.
قلت: وفي تضعيف ابن حزم لحوشب بن عقيل نظرٌ، فإنه ثقة، وَثَّقَهُ الأئمة: يحيى القطان، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان. وانفرد الأزدي بتضعيفه6.
__________
1 أبو دِحْيَة البصري، ثقة، من السابعة/ د س ق. (التقريب 184) .
2 العبدي، وهو: ابن أبي مهدي الهجري، مقبول، من السادسة/ د س ق. (التقريب 548) .
3 الثقات: (7/501) .
4 الجرح والتعديل: (4/1/337) .
5 المحلى: (6/440) .
6 انظر: تهذيب الكمال: (7/461 - 463) ، وتهذيب التهذيب: (3/65 - 66) .
(2/376)
وأخرجه العُقَيْلِي في ترجمة حوشب بن عقيل، عن الهجري، ثم قال: "لا يتابع عليه ... "1. وقال الإمام النووي: "رواه أبو داود، والنسائي بإسناد فيه مجهول". ثم قال: "ضعيف"2. وقال الشيخ الألباني: "فأنى للحديث الصحة وفيه هذا الرجل المجهول؟! "3. وأورده في (ضعيف ابن ماجه) 4، وقال في (تمام المنة) 5: "إسناده ضعيف".
أما الحاكم أبو عبد الله فقد قال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي! فَتَعَقَّبَهُمَا الشيخ الألباني قائلاً: "وهذا من أو هَامِهِمَا الفاحشة؛ فإن حوشب بن عقيل، وشيخه مهدي الهجري لم يُخْرِجْ لهما البخاري، بل إن الهجري مجهولٌ كما قال ابن حزم ... "6.
والحديث مع ضعفه اخْتُلِفَ في إسناده؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق: الحارث بن عبيد7، عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن ابن عباس به. قال البيهقي: "كذا قال الحارث بن
__________
1 الضعفاء: (1/298) .
2 المجموع: (6/349) .
3 السلسلة الضعيفة: (1/397) ح 404.
(ح 378) .
(ص 410) .
6 السلسلة الضعيفة: (1/397) .
7 الإيادي، أبو قدامة البصري، صدوق يخطئ، من الثامنة/ خت م د ت. (التقريب 147) .
(2/377)
عبيد، والمحفوظ: عن عكرمة، عن أبي هريرة"1.
وللحديث شاهدٌ من رواية عائشة رضي الله عنها، أخرجه الطبراني في (معجمه الأوسط) 2 من طريق: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى3، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نهى رسول الله عن صيام يوم عرفة بعرفات". قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن صفوان إلا إبراهيم".
قال الشيخ الألباني: "فإن قيل: قد رَوَى الطبراني عن عائشة مثل هذا الحديث، فهل يَتَقَوَّى به؟ قلت: لا؛ لأن في إسناده إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو ضعيف جداً، فمثله لا يُتَقَوَّى به"4.
فالحاصل: أن النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة لا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن صحَّ من فعله أنه أفطر في ذلك اليوم، وذلك من حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها: "أن ناساً تَمَارَوا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فَأَرْسَلَتْ إليه بَقَدَحِ لبنٍ وهو واقف على بعيرِه فَشَرِبَه". أخرجه البخاري في (صحيحه) 5.
قال العقيلي: "وقد رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد أنه لم يَصُم
__________
1 سنن البيهقي: (5/117) .
(3/173) ح 2349.
3 الأسلمي، أبو إسحاق المدني، متروك، من السابعة، مات سنة 184هـ/ ق. (التقريب 93) .
4 السلسلة الضعيفة: (1/398) .
5 ك الصوم، باب صوم يوم عرفة ح 1988 (فتح الباري 4/236) .
(2/378)
يوم عرفة، ولا يصح عنه أنه نهى عن صومه"1.
وقال البيهقي - بعد أن أخرج حديث أبي هريرة المتقدم -: "وفي حديث أمِّ الفَضْلِ كفاية"2.
وبذلك يكون ابن القَيِّم - رحمه الله - قَدْ أَصَابَ في تضعيفه حديث أبي هريرة هذا، والله أعلم.
__________
1 الضعفاء: (1/298) .
2 سنن البيهقي: (5/117) .
(2/379)
5- باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال
45- (6) عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثم أَتْبَعَهُ بِسِتّ من شوال، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ".
تَكَلَّم ابن القَيِّم - رحمه الله - على هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1، وذكر أنه مُخْتَلَفٌ فيه بين التصحيح والتضعيف، ثُمَّ ذَكَرَ شُبَهَ مُضَعِّفِيهِ وأجابَ عنها، ويتلخص كلامه عن هذا الحديث في الأوجه التالية:
1- أنه بينما أخرج هذا الحديث مسلم في (صحيحه) ، فقد أَعَلَّهُ آخرون وَضَعَّفُوه.
2- وأنَّ حَاصِل ما أُعِلَّ به هذا الحديث ما يلي:
أ-أن مداره على "سعد بن سعيد الأنصاري"، وهو ضعيف.
ب- أنه وإن وُجِدَت له متابعات، فإنها أيضاً تُضَعَّف.
ج- أنه حديث مضطرب، اخْتُلِفَ في سنده على "عمر بن ثابت" شيخ سعد بن سعيد.
د- أَنَّهُ شاذٌّ، تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت.
3- وأن هذا الحديث ترك العمل به أهل العلم.
ثم شرع - رحمه الله - في الجواب عن تلك العلل بما سيأتي من كلامه أثناء هذا البحث.
__________
(3/308 - 315) .
(2/380)
قلت: هذا الحديث مداره على عمر بن ثابت1، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ويرويه عن عمر بن ثابت جماعةٌ، أشهرهم: سعد بن سعيد2.
ورواه عن سعد بن سعيد جماعة كثيرون:
فأخرجه مسلم في (صحيحه) 3 من طريق: إسماعيل بن جعفر، وابن نمير، وعبد الله بن المبارك، وفيه: " ... كان كصيام الدَّهْرِ".
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 4، وأحمد في (مسنده) 5 من طريق: أبي معاوية6، ولفظه: " ... فذلك صيام الدَّهْرِ".
وأخرجه النسائي في (الكبرى) 7 من طريق: شعبة، ومن طريق: محمد بن عمرو الليثي.
__________
1 الأنصاري الخزرجي، المدني، ثقة، من الثالثة، أخطأ من عَدَّه في الصحابة / م4. (التقريب410) .
2 ابن قيس بن عمرو الأنصاري، أخو يحيى، صدوق سيئ الحفظ، من الرابعة، مات سنة 141هـ- / خت م 4. (التقريب 231) .
(2/822) ح 1164، ك الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعاً لرمضان.
(3/123) ح 759، ك الصوم، باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال.
(5/417) .
6 هو: محمد بن خازم الضرير.
(3/239 - 240) ح 2875، 2877.
(2/381)
وأخرجه ابن ماجه في (سننه) 1 من طريق: عبد الله بن نمير.
وأخرجه الطيالسي وأحمد في (مسنديهما) 2 من طريق: ورقاء بن عمر3. ولفظ أحمد: " ... فقد صام الدهر". أما الطيالسي فلفظه: " ... فذلك صيامُ السَّنَةِ".
وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 4 من طريق: داود بن قيس5، وأبي بكر بن محمد بن أبي سبرة. ولفظ داود: " ... كُتب له صيامُ السنة" يقول: لِكُلِّ يوم عشرة أيام. قال: وبه نأخذ.
وأخرجه البيهقي في (سننه) 6، والبغوي في (شرح السنة) 7 من طريق: محاضر بن المورّع8. كلُّ هؤلاء عن: سعد بن سعيد الأنصاري، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً به.
__________
(1/547) ح 1716، ك الصوم، باب صيام ستة أيام من شوال.
2 طس: (ح594) . حم: (5/419) .
3 اليَشْكُري، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن، صدوق في حديثه عن منصور لِينٌ، من السابعة / ع. (التقريب 580) .
(4/315) ح 7918، 7919. باب صوم الستة التي بعد رمضان.
5 الفرَّاء الدباغ، أبو سليمان القرشي مولاهم، المدني، ثقة فاضل، من الخامسة، مات في خلافة أبي جعفر / خت م 4. (التقريب 199) .
(4/292) .
(6/331) ح 1780.
8 الكوفي، صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة 206هـ- / خت م د س. (التقريب 521) .
(2/382)
ورواه غير هؤلاء جماعة من الأئمة الثقات، منهم: ابن جريج، والثوري، ويحيى بن سعيد - أخو سعد بن سعيد - وغيرهم، كلهم: عن سعد بن سعيد بالإسناد السابق1. فهؤلاء ثلاثة عشر رجلاً - جُلُّهم حُفَّاظٌ أثبات - رووه عن "سعد بن سعيد".
وقد ضُعِّفَ هذا الإسناد بسعد بن سعيد، كما نقل ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، إذا قال: "وقد اعترض بعض الناس على هذه الأحاديث ... قالوا: وأشهرها حديث أبي أيوب، ومداره على سعد بن سعيد، وهو ضعيف جداً، تركه مالك، وأنكر عليه هذا الحديث"2. ثم نقل تضعيف أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن حبان له.
وقال العلامة المناوي: "وطعنَ فيه من لا عِلْمَ عنده، وغَرَّهُ قولُ الترمذي: حَسَنٌ. والكلام في راويه، وهو سعد بن سعيد"3.
أما الكلام في سعد بن سعيد: فقد ضَعَّفَهُ بعضهم، فقال الإمام أحمد: "ضعيف"4 وقال النسائي: "ليس بالقويِّ"5. وقال الترمذيّ: "وقد تَكَلَّم بعضُ أهل الحديث في سعد بن سعيد من قِبَل حفظه"6.
ومع ذلك فقد وَثقُهُ جماعة، فقال ابن سعد: "ثقةٌ، قليل
__________
1 انظر: علل الدارقطني: ج2 (ق 52 /أ) .
2 تهذيب السنن: (3/310) .
3 فيض القدير: (6/161) .
4 الجرح والتعديل: (2/1/84) .
5 الضعفاء والمتروكين: (ص54) .
6 جامع الترمذي: (3/124) .
(2/383)
الحديث"1. وقال العجلي: "مدني ثقة"2. وذكره ابن شاهين في "ثقاته"3 وقال: "قال ابن عمار: سعد بن سعيد ... ثقة". وقال ابن معين: "صالح"4. وقال أبو حاتم: "سعد بن سعيد الأنصاري مُؤَدِّي" قال ابن أبي حاتم: "يعني أنه كان لا يحفظ، يؤدي ما سمع"5. وذكره ابن حبان في (ثقاته) 6 في التابعين وقال: "كان يخطئ"، ثم ذكره مرةً أخرى في أتباع التابعين وقال: "وكان يخطئ، لم يَفْحُشْ خطؤه، فلذلك سلكناه مسلك العدول"7. وقال الذهبي: "صدوق"8 وقال مرة: "حسن الحديث، تابعي"9.
فهذا - كما نرى - قد وَثقَهُ جماعة كثيرون، وأن فيه ضعفاً يسيراً من قبل حفظه لا يمنع قبول ما وافق فيه غَيْرَهُ، ولهذا فقد دفع ابن القَيِّم - رحمه الله - القول بضعفه، ونقل قول أبي حاتم، وابن معين، وابن سعد في توثيقه، ثم نقل قول ابن عدي: "له أحاديث صالحة تقرب من
__________
1 تهذيب التهذيب: (3/470) .
2 الثقات: (ترتيب الهيثمي) : (ص179) .
(ص96) .
4 الجرح والتعديل: (2/1/84) .
5 المصدر السابق.
(4/298) .
7 الثقات: (6/379) .
8 الكاشف: (1/277) .
9 المغني في الضعفاء: (1/254) .
(2/384)
الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأساً بمقدار ما يرويه"1.
ثم قال ابن القَيِّم رحمه الله: "ومثل هذا إنما يُنفى ما ينفرد به، أو يخالفُ به الثقات، فأما إذا لم ينفرد، وروى ما رواه الناس فلا يُطْرَحُ حديثه".
قال: "سَلَّمْنَا ضَعْفَه، لكنَّ مسلماً إنما احتجَّ بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطئ فيه بقرائنَ ومتابعات، ولشواهد دَلتُهُ على ذلك، وإن كان قد عُرِفَ خطؤه في غيره، فكون الرجل يخطئ في شيء لا يمنع الاحتجاج به فيما ظهر أنه لم يخطئ فيه ... "2.
وقال في موضع آخر: " ... لكنه ثقة صدوق، روى له مسلم، وروى عنه شعبة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وابن جريج، وسليمان بن بلال، وهؤلاء أئمة هذا الشأن"3.
هذا فيما يتعلق بالكلام على سعد بن سعيد، والرد على من ضَعَّفَ الحديث لأجله.
وأما دعوى انفراد سعد بن سعيد بهذا الحديث: فليس كذلك، وإنما تابعه عليه جماعةٌ، منهم: يحيى بن سعيد4 أخوه، وصفوان بن
__________
1 وكلامه هذا في الكامل: (3/1189) .
2 تهذيب السنن: (3/311 - 312) .
3 المصدر السابق: (3/311) .
4 ابن قيس الأنصاري المدني، أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة 144هـ- أو بعدها / ع. (التقريب 591) .
(2/385)
سليم1، وغيرهم.
أما رواية يحيى بن سعيد: فأخرجها النسائي في (الكبرى) 2 من طريق: صدقة بن خالد، عن عتبة بن أبي حكيم3، عن عبد الملك بن أبي بكر4، عن عمر بن ثابت به، وفيه قصة.
وذكر الدارقطني - رحمه الله - في (العلل) 5 أن إسماعيل بن إبراهيم الصائغ تابع عبد الملك بن أبي بكر في روايته عن يحيى بن سعيد به.
وذكر ابن القَيِّم - رحمه الله - لهما متابعاً ثالثاً، وهو: عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم6، ولكنه - رحمه الله - جعل هؤلاء الثلاثة في إسناد النسائي، فقال: "وأما حديث يحيى بن سعيد: فرواه النسائي عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد ... عن عتبة بن حكيم ... عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن محمد ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم وإسماعيل بن إبراهيم الصائغ، ثلاثتهم: عن
__________
1 المدني، أبو عبد الله الزهري مولاهم، ثقة مُفْتٍ عابدٌ رُمي بالقدر، من الرابعة، مات سنة 132هـ- / ع. (التقريب 276) .
(3/240) ح 2879.
3 الهمداني، أبو العباس الأردني، صدوق يخطئ كثيراً، من السادسة، مات بصور بعد الأربعين / عخ4. (التقريب 380) .
4 ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، المدني، ثقة، من الخامسة، مات في أول خلافة هشام/ ع. (التقريب 362) .
5 ج2 (ق 52/ أ) .
6 ثقة، من السابعة، لم يثبت أنَّ مسلماً أخرج له. (التقريب 362) .
(2/386)
يحيى بن سعيد، عن عمر به"1 كذا قال رحمه الله، والذي في السنن الكبرى من رواية: عبد الملك بن أبي بكر وحده، عن يحيى.
ثم نقل ابن القَيِّم - رحمه الله - عن النسائي أنه ضَعَّفَ هذه المتابعة بقوله: "فيه عتبة، ليس بالقويِّ"2.
قلت: هو عتبة بن أبي حكيم الهَمْدَاني، ضَعَّفَهُ جماعةٌ، ووثقه آخرون. فَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ: النسائي كما مرَّ، وقال مرة: "ضعيف"3. وقال ابن معين: "ضعيف الحديث"4. وقال أبو حاتم: "كَأَّنَّ أَحمد يُوَهِّنُهُ قليلاً"5. وقال محمد بن عوف الطائي: "ضعيف"6. وقال الجوزجاني: "غير محمود في الحديث"7.
وممن وَثقَهُ: ابن معين في رواية الدوري، فقال: "ثقة"8. وقال أبو حاتم: "صالح، لا بأس به"9. وقال دحيم: "لا أعلمه إلا مستقَيِّم الحديث"10. وذكره أبو زرعة الدمشقي في نفر ثقات11. وقال مروان
__________
1 تهذيب السنن: (3/311) .
2 تهذيب السنن: (3/309) .
3 انظر: تهذيب التهذيب: (7/95) .
4 المصدر السابق: (7/94) .
5 الجرح والتعديل: (3/1/370) .
6 تهذيب التهذيب: (7/94) .
7 أحوال الرجال: (ص 172) .
8 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/389) .
9 الجرح والتعديل: (3/1/371) .
10 تهذيب التهذيب: (7/94) .
11 المصدر السابق.
(2/387)
الطاطري: "ثقة"1. وقال أبو القاسم الطبراني: "من ثقات المسلمين"2. وذكره ابن حبان في (الثقات) 3 وقال: "يُعْتَبَرُ حديثه من غير رواية بقية ابن الوليد عنه". وقال ابن عديّ: "أرجو أنه لا بأس به"4. وقال الذهبي: "وهو متوسط، حسن الحديث"5.
فهذه أقوال موثقيه ومضعفيه بين أيدينا، والذي يظهر - والله أعلم - أن الرجل فيه ضعف يسير يجعل حديثه مقبولاً في المتابعات، ولذلك قال الذهبي رحمه الله: "متوسط، حسن الحديث". فحديثه بذلك يصلح للاعتبار به، فتكون هذه الطريق متابعةً صالحةً من يحيى بن سعيد لأخيه سعد بن سعيد.
وأما متابعة صفوان بن سليم لسعد بن سعيد: فقد أخرجها أبو داود في (سننه) 6، والحميدي في (مسنده) 7، وكذا الدارمي في (مسنده) 8، وابن حبان في (صحيحه) 9، كلهم من طريق:
عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد
__________
1 تهذيب التهذيب: (7/94) .
2 المصدر السابق: (7/95) .
(7/271) .
4 الكامل: (5/357) .
5 الميزان: (3/28) .
(2/812) ح 2433. ك الصوم، باب في صوم ستة أيام من شوال.
(1/188) ح 381.
(1/353) ح 1761، باب صيام الستة من شوال.
9 الإحسان: (5/257) ح 3626.
(2/388)
كليهما، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب به، وعند أبي داود والحميدي: "فَكَأَنَّمَا صَام الدَّهْرَ". وعند ابن ابن حبان والدارمي: "فذلك صيام الدَّهْرِ".
فهذه متابعة أخرى من صفوان بن سليم - وهو ثقة ثبت - لسعد ابن سعيد. والراوي عنه: هو الدراوردي، وَثَّقَهُ جماعة وَضَعَّفُهُ آخرون من قبل حفظه، وحديثه من كتابه أضبط من حديثه من حفظه، وأنكروا روايته عن عبد الله العمري1. وقال عنه الذهبي: "صدوق، من علماء المدينة، غيره أقوى منه"2. وقال مرة: "حديثه في دواوين الإسلام السِّتَّة، لكنَّ البُخَارِيَّ روى له مقروناً بشيخ آخر، وبكل حالٍ فحديثه وحديث ابن أبي حازم لا ينحط من مرتبة الحسن"3.
قلت: فمثله لا بأس به في المتابعات، فإن روايته لما يرويه الناس دليلُ حفظه وضبطه لهذا الْمَرْوِيِّ، فيكون هذا الإسناد حسناً على أقل تقدير.
وثمَّةَ متابعة ثالثة لسعد بن سعيد؛ إذ تابعه أخوه عبد ربه بن سعيد4، ذكر ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، فقال: "رواه أحمد بن يوسف السُّلَمِي شيخ مسلم، وعقيل بن يحيى جميعاً عنه - يعني عبد الله بن يزيد
__________
1 انظر أقوال الأئمة فيه في: الميزان: (2/633) ، وتهذيب التهذيب: (6/354) .
2 الميزان: (2/633) .
3 سير أعلام النبلاء: (8/368) .
4 ابن قيس الأنصاري، أخو يحيى، المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة 139هـ/، وقيل: بعد ذلك/ ع. (التقريب 335) .
(2/389)
المقرئ - عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً. وذكره ابن منده، وهو إسناد صحيح موافق لرواية الجماعة، ومقوّ لحديث صفوان بن سليم وسعد بن سعيد"1.
وقد رُوِيَ عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد موقوفاً على أبي أيوب، وسيأتي الكلام على ذلك عند مناقشة إعلاله بالاضطراب.
فهؤلاء الأربعة: سعد، ويحيى، وعبد ربه بنو سعد، وصفوان بن سليم، رووه كلهم: عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب، مما ينفي القول بتفرد "سَعْدٍ" به.
وقد ظهر مما تقدم أن هذه المتابعات صالحة لتقوية رواية سعد بن سعيد، وأن ما رُمِيَتْ به من الضَّعْفِ قد أجيب عنه، وقد أورد هذه المتابعات ابن القَيِّم رحمه الله، وناقشها وبين صلاحيتها لتعضيد رواية سعد، وقد نقلنا طرفاً من كلامه فيما سلف.
وأما قولهم بأنه حديث مضطرب الإسناد مُخْتَلِفٌ: فقد رواه أبو عبد الرحمن المقرئ، عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب موقوفاً. أخرجه النسائي في (الكبرى) 2.
وقد رُوِيَ من طريق: عثمان بن عمرو بن ساج، عن عمر بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب3.
قالوا: فهذا يدلُّ على أن طريق سعد بن سعيد غير متصلة؛
__________
1 تهذيب السنن: (3/312) .
(3/240) ح 2878.
3 انظر: علل الدارقطني: ج2 (ق 52/ب) .
(2/390)
حيث أسقط منها "محمد بن المنكدر".
وقد رواه إسماعيل بن عَيَّاش، عن محمد بن أبي حميد، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب. قالوا: فدل ذلك على أن لرواية محمد بن المنكدر له عن أبي أيوب أصلاً.
وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن ورقاء، عن سعد بن سعيد، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. قالوا: وهذا اختلاف يوجب ضعف الحديث.
وقد نقل ابن القَيِّم كلامهم هذا، وأجاب عنه بما يلي:
أما عن كونه يُروَى موقوفاً، فقال: "فإما أن يقال: الرفع زيادة. وإما أن يقال: هو مخالفة، وعلى التقديرين: فالترجيح حاصلٌ بالكثرة والحفظ؛ فإن صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد - وهما إمامان جليلان - وسعد بن سعيد - وهو ثقة محتجٌّ به في الصحيح - اتفقوا على رفعه، وهم أكثر وأحفظ".
قال: "على أن المقرئ - يعني راويه عن شعبة - لم يُتَّفَقْ عنه على وقفه، بل قد رواه أحمد بن يوسف السُّلمي شيخ مسلم، وعقيل بن يحيى جميعاً عنه، عن شعبة، عن عبدربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً، وذكره ابن منده، وهو إسناد صحيح".
قال: "وأيضاً فقد رواه محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، عن ورقاء، عن سعد بن سعيد مرفوعاً كرواية الجماعة، وغندر أصحُّ الناس
(2/391)
حديثاً في شعبة"1.
وأما رواية عثمان بن عمرو بن ساج2، وإدخاله "محمد بن المنكدر" بين عمر بن ثابت، وأبي أيوب، فأجاب عن ذلك ابن القَيِّم بقوله: "وأما حديث عثمان بن عمرو بن ساج: فقال أبو القاسم بن عساكر في (أطرافه) عقب روايتها: هذا خطأ، والصواب: عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. من غير ذكر محمد بن المنكدر. وقد قال أبو حاتم الرازي: عثمان والوليد ابنا عمرو بن ساج يُكتبْ حديثهما ولا يحتجُّ بهما3. وقال النسائي: رأيت عنده كتباً في غير هذا، فإذا أحاديث شبه أحاديث محمد بن أبي حميد، فلا أدري: أكان سماعه من محمد أم من أولئك المشيخة؟ فإن كانت تلك الأحاديث أحاديثه عن أولئك المشيخة، ولم يكن سمعه من محمد، فهو ضعيف".
قال: "وأما رواية إسماعيل بن عياش له عن محمد بن أبي حميد4: فإسماعيل بن عياش ضعيف في الحجازيين، ومحمد بن أبي حميد: متفق على ضعفه ونكارة حديثه، وكأن ابن ساج سرق هذه الرواية من محمد بن أبي حميد، والغلط في زيادة محمد بن المنكدر منه".
__________
1 تهذيب السنن: (3/312) .
2 الجَزَرِي، مولى بني أمية، وقد يُنسبُ لجده، فيه ضعف، من التاسعة/ س. (التقريب 386) .
3 الجرح والتعديل: (3/1/162) .
4 واسم أبي حميد: إبراهيم، الزُّرَقِي، الأنصاري، أبو إبراهيم المدني، لقبه حماد، ضعيف، من السابعة/ ت ق. (التقريب 475) .
(2/392)
ثم قال رحمه الله: "وأما رواية أبي داود الطيالسي: فمن رواية عبد الله بن عمران الأصبهاني1 عنه. قال ابن حبان: كان يُغْرِب2 وخالفه يونس بن حبيب3 فرواه عن أبي داود4، عن ورقاء بن عمر، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، موافقة لرواية الجماعة"5.
فظهر بذلك أن هذا الاختلاف غير مُؤَثِّر، وأن هذه الروايات لا تُقَاوِمُ رواية سعد بن سعيد - ومن تابعه - حتى تُعِلَّهَا.
وقد رَجَّحَ الدارقطني - أيضاً - رواية سعد بن سعيد، فإنه ساق الاختلاف في هذا الحديث، ثم قال: "والصواب حديث أبي أيوب" فساقه بإسناده إلى سفيان الثوري، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً. وأشار قبل ذلك إلى ترجيح هذه الرواية بقوله: "يرويه جماعة من الثقات الحفاظ عن سعد بن سعيد ... " فذكر من هؤلاء الحفاظ جملة6.
وأما قولهم بأنه حديث شاذ تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، لم يروه عن
__________
1 نزيل الريِّ، صدوق، من كبار الحادية عشرة/ ق. (التقريب 316) .
2 ترجمه في الثقات: (8/359) . وهناك كلام محله بياض، فلعل هذه العبارة مما سقط منه.
3 راوي المسند عن الطيالسي.
4 في مسنده: (وتقدمت) .
5 تهذيب السنن: (3/313) .
6 انظر العلل: ج2 (ق52) .
(2/393)
أبي أيوب غيره: فقد أجاب ابن القَيِّم - رحمه الله - عن ذلك فقال: "ليس هذا من الشاذ الذي لا يُحْتجُّ به، وكثير من أحاديث الصحيحين بهذه المثابة، كحديث "الأعمال بالنيات"، تَفَرَّدَ علقمة بن وقاص به، وتفرد محمد بن إبراهيم التيمي به عنه، وتفرد يحيى بن سعيد به عن التيمي. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس الشاذ أن يَرْوِي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
وأيضاً: فليس هذا الأصل مما تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، لرواية ثوبان وغيره له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تَرْجَمَ ابن حبان على ذلك في (صحيحه) فقال - بعد إخراجه حديث عمر بن ثابت -: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. وذكر حديث ثوبان من رواية هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث الذَّمَارِي، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان"1.
وبعد، فقد ثبت أن هذا الحديث صحيح ثابت، معمول به عند جمهور الأمة، وكَفَى به صحَّةً أنَّ مُسْلِمَاً أودعه في (صحيحه) ، وقد صَحَّحَهُ - مع ذلك - جَمْعٌ من العلماءِ؛ فقال الترمذي: "حسن صحيح". وصَحَّحَهُ الدارقطني من طريق سعد بن سعيد كما مضى من كلامه. وقال
__________
1 تهذيب السنن: (3/313) .
(2/394)
البغوي: "حديث صحيح"1. وقال النووي: "رواه أبو داود بإسناد صحيح"2. وقال ابن الملقن: "وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد ... عشرون رجلاً، أكثرهم ثقات حفاظ أثبات، وقد ذكرتُ كل ذلك عنهم موضحاً في: تخريجي لأحاديث الْمُهَذَّب، مع الجواب عَمَّنَ طَعَنَ في سعد بن سعيد، وأنه لم يتفرد به، وتُوبِعَ عليه، وذكرت له ثماني شواهد، وأجبتُ عن كلام ابن دحية الحافظ، فإنه طَعَنَ فيه، فَرَاجِعْهُ فإنه من الْمُهْمَّاتِ التي يُرْحَلُ إليها"3. وقال المناوي: "وَطَعَنَ فيه من لا علم عنده، وغره قول الترمذي: حسن، والكلام في راويه، وهو: سعد بن سعيد، واعتنى العراقيُّ بجمع طرقه، فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد، كلهم حفاظ أثبات"4.
قال صاحب (تحفة الأحوذي) 5: "فإن قلتَ: كيف صَحَّحَ الترمذي حديث سعد بن سعيد المذكور، مع تصريحه بأنه قد تَكَلَّمَ فيه بعض أهل الحديث من قِبَل حفظه؟؟ قلتُ: الظاهر أنَّ تصحيحه لتعدد الطرق، وقد تَقَدَّمَ في المقدمة: أنَّه قد يصححُ الحديث لتعدد طرقه".
أما ابن القَيِّم رحمه الله: فإنه أَجَادَ وَأَفَاد في ردِّ العلل التي رُمِيَ بها هذا الحديث، كما تَقَدَّمَ كلامه في ذلك، ثم ساق جملة من الشواهد لهذا الحديث وتَكَلَّمَ عليها، فذكر منها حديث: ثوبان، وجابر، وأبي هريرة، وشداد بن أوس رضي الله عنهم6.
__________
1 شرح السُّنَّة: (6/331) .
2 المجموع: (6/347) .
3 البدر المنير: ج4 (ق336/أ) .
4 فيض القدير: (6/161) .
(3/468) .
6 انظر: تهذيب السنن: (3/309 - 310) .
(2/395)

===========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

2121-من 8 - من كتاب الجنائز ابن القيم

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها 8 - من كتاب الجنائز 1- باب في الغسل من غسل الميت 62- (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ر...