الجمعة، 7 يناير 2022

20-منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل تأليف أبي عبد الرحمن يوسف بن جودة الدَّاودي المقدمة


منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل
مَنْهجُ الإمَامِ الدَّارَقطنِي في نقدِ الحديث في كِتَابِ العِلَّل
تأليف أبي عبد الرحمن يوسف بن جودة الدَّاودي
(1/2)
الإهداء
أهدي هذا العمل إلى أغلى من أحب في حياتي، إلى من كانا سبباً في وجودي، وربَّياني، وركبا كل سهل وصعب من أجلي، وسهرا على تعليمي ورعايتي صغيراً، وأرى بركة دعائهما كبيراً،
إلى والديَّ الكريمين:
إلى أبي وأمي رحمهما الله وأدخلهما فسيح جناته، فإنَّه سبحانه ولى ذلك والقادر عليه وهو نعم المولى، ونعم النَّصير.
(1/5)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إنَّ الحمد لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفِسِنَا وَمِنْ سيئاتِ أعمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِي لَهُ، وَأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وَحَدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَداً عبْدهُ ورسولُهُ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1)، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (2)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3).
فالحمدُ للهِ ربِّ العَالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين، وإمامِ المتقين، سيدنا محمدٍ وعلى وآله وصحبهِ أجمعين، أحمدُهُ سبحانَهُ علي جميلِ لُطْفِهِ وعظيمِ إكرامِهِ، الموفقُ عبادَهُ لِجَميعِ الخيراتِ في السراءِ والضراءِ، والحمدُ للهِ كَما يَنبغِي لِجَلالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلطَانِهِ القَائلُ سُبْحَانَهُ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (4)، فَهَو سُبحَانَهُ وَحْدَهُ الذي هَدَي وَعَلَّمَ، وَتَفَضَّلَ وَتَكَرَّمَ، وَأَسْبَغَ عَلينَا النِّعَمَ، وَحَفِظَنَا بِرُكْنِهِ الذي لا يُرَامُ، وكَلأنَا بِعزهِ الذي لا يُضَامُ، وأنارَ لنَا السبيلَ وَهَدَانَا إلي الدليلِ.
أما بعد:
فإنَّهُ من أهمِ العلومِ التي امتاز بها المسلمونَ عن غَيرهِم مِنَ الأممِ، نَقدُ الأخْبارِ وتَقويم التاريخِ، ولقدْ بَرَزَ النُّقادُ والعلماءُ في أولِ عَصرِ تدوين السُنَّةِ الشريفةِ، فَقَامَ جَهابِذَةُ هَذَا العِلْمِ ونقدوا الآثارَ والأخبارَ، وبَذَلُوا في ذلكَ كُلَّ غَالٍ ونفيسٍ، فقاموا ببيانِ مراتبِ الأحاديثِ، والتفريقِ بين الغثِ والثمينِ، وتوضيحِ ما التبسَ منها على النَّاس، وتفنيدِ الباطلِ منها وبيانِ زيفِهِ.
_________
(1) سورة آل عمران، آية رقم (102).
(2) سورة النساء، آية رقم (1).
(3) سورة الأحزاب، آيات رقم (70، 71).
(4) سورة الزمر، آية رقم (26).
(1/6)
فَكانَ عِلْمُ عِلَلِ الحديثِ مِنْ أَدَقِّ العُلومِ، وَأعْمَقِهَا ضَرباً، وأَنْفَعِهَا في تَحْقِيقِ المسَائلِ والأحكامِ الشرعيةِ التي عَليهَا مَدَارُ الدِّينِ، وكنتُ منذُ نعومةِ أظفاري أنظُرُ لهؤلاءِ النُّقاد فَأرى جِبَالاً مِنَ العلمِ والفِهْمِ، والحكْمَةِ والنزَاهَةِ في الحكمِ، واستقامةِ المنهجِ، وكنتُ دائماً أسألُ نفسي كيف وصَلَ هؤلاءِ القومُ لمثلِ هَذَا المستوى الرفيعِ من الإتقانِ والدقةِ والأمانةِ في الأحكامِ والأقوالِ التي قَلَّمَا يتصف بها كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، كَما قالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: (إِنَّمَا النَّاسُ كَالإبِلِ الْمِائَةِ لا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً) (1).
وبعد أن مرتْ أعوامٌ عديدة من حُضُورِي لمجالسِ العلمِ وِمُدَارسةِ العلومِ على يد المشايخِ والعلماء المعتَبرينَ، تَبيَّنَ لِي أَنَّ هؤلاءِ القومَ رَضُوا من دُنياهُم بالقليلِ، وبذلوا الْمُهجَ، والجهدَ والوقتَ والمالَ في سبيلِ نصرةِ هذا الدين ورفعتِهِ، فَكانَ الجزاءُ من جنس العمل، فأثَابَهُم اللهُ بذلك سِعةَ الحفظِ، ودِقَّةَ الفهمِ، والتوفيقَ والسدادَ في أقوالهِم وأعمالهِم، فنفع الله بهم العبادَ في مشارقِ الأرضِ ومَغَارِبِهَا، واستنارت بهم العُقولُ، وارتوت مِن فيضِ عُلومِهِم القلوبُ، وأذعنتْ من عُمقِ إخْلاصِهِم الصدور، فسَارَ بِفَضْلِهِم الرُّكبانُ، وتعطرتْ بجميلِ شَذَاهُم الأكوان، واستقامت بعبيرِ فيحهِم الأركان، فكان مَثَلُهُم كالبستانِ الذي ملئ بالزهورِ والورودِ والريحانِ، فلا تفتأُ إلا أنْ تجدَ الفَيْحَ الجميلَ، والثمرَ العليلَ، فلمَّا رأيتُ ذلك تعلَّقَ قلبي بهؤلاءِ القومِ، وبما أفاضُوا بهِ من العلومِ ولاسيما علمُ عللَ الحديثِ، وكان كتابُ العللِ للدارقطنيِّ من أكبرِ المصنفاتِ في علمِ نقدِ الأخبار والآثار، وقد وضع فيه الإمامُ الدارقطنيُّ خُلاصَةَ عِلْمِهِ، وأبان العللَ بأسلوبٍ يُجَلِّي العلةَ ويُبرِزُهَا، ويمتازُ كذلكَ عن بقيةِ الكُتبِ المطبوعةِ في هذا الفنِ، ويزيدُ عليها سعةً وشمولاً واستيعاباً وتنظيماً، وقد ذكرَه أجلةُ العلماءِ الكبارِ بأجملِ الثناءِ، ثم ما كان من مكانةِ الإمامِ الدارقطنيِّ في نقدِ الحديثِ، فهُو من كبارِ أئمةِ الحديثِ والنَّقدِ وكان مما دفعني كذلكَ للبحثِ في منهجِ الإمامِ الدارقطنيِّ في كتابهِ العلل، قلةُ الأبحاثِ العلميةِ فيه، والدراساتُ التحليليةُ التي اهتمت بمناهجِ أئمَّةِ النَّقدِ في مُصَنَّفَاتِهِم
_________
(1) أخرجه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانةِ، برقم (6017).
(1/7)
العللَ، وعلى الرغمِ من مكانةِ الدارقطنيِّ وكتابِهِ العلل، لم يحظَ الدارقطنيُّ بدراسةٍ تحليليةٍ علميةٍ لمنهجهِ في التعليلِ مِنْ قبل، ولخفاءِ عِللِ
الأحاديثِ على كثيرٍ من النَّاسِ خاصةً أهل العلم، حتى صارَ من أغْمضِ أنواع العلوم وأدقها مسلكًا، ولا يقومُ بِهِ إلا مَنْ منحَهُ اللهُ فَهْمًا وإطلاعًا، وإدراكًا لمراتب الرواة، ومعرفةً ثاقبةً لاختلافِ المرويَّاتِ والرِّجالِ.
فكُلُّ هذهِ الأسبابِ وغَيرِهَا قد حجبت أنوار تلك الكنوز والدُّرر الثمينة، وقللت من الانتفاع بها، فرأيتُ أن أُساهِمَ في تذليلِ تلكَ العقباتِ أمامَ طلابِ العلمِ والباحثينَ لفهِمِ مقاصدِ أئمةِ النَّقدِ ومدلولاتِ ألفَاظِهِم في العللِ والرجالِ، والاستفادةِ بأقوالهِم وأحكَامِهِم لتصحيحِ الأحكامِ، وترجيحِ الأقوالِ، وبالأخصِ لمعرفةِ الطريقةِ التي كان يَسلُكَهَا الدارقطنيُّ ومدلولِ ألفاظِهِ في التعليلِ، ليكونَ الباحثُ على بصيرةٍ مِنهَا، وفتحُ البابِ لدراسةِ بقيةِ مناهجِ أئمةِ النَّقدِ.
ولا يَشُكُّ مُشْتَغلٌ بهذا الفنِ فضلاً عن بارعٍ فيهِ، بأنَّ معرفةَ عللَ الحديثِ، وأحوالَ الرجالِ، وفِهْمَ مَقَاصِد وألفاظِ أئمة النَّقدِ، بمثابةِ الرأسِ مِنَ الجسدِ في علمِ الحديثِ، وبالنسبةِ لطلبة العلم والباحثين، تعتبر من أهمِ المباحث التي تساعدهُم في التحققِ من صحة الحديث، وبالتالي صحةِ الاستنباطِ، وصحةِ البرهنةِ على الراجحِ من الأقوالِ، لذا كانت دراسةُ منهج الإمام الدارقطني في كتابه العلل من أنفع المباحث التي دُرِستْ في هذا المضمار بفضل الله عزَّ وجلَّ، لإفصاحِها عن غُررٍ عزيزة، وفوائد جليلة لا تكاد تجدها في غيرها، وقد وفِّقتُ بفضل الله تعالى لبيان جانبٍ عظيمٍ من هذه الدرر والفوائد.
أهداف البحث:
وقد استعرضتُ في هذهِ الدراسةِ جانباً هاماً من أحكامِ الدارقطنيِّ على الأحاديثِ المعلولةِ مثلُ الاضطرابِ، أو التصحيفِ، أو الإدراج، أو النَّكارةِ أو الشذوذِ وغيرها، فقد يكون الحديث مروياً بالمعنى الخطأ عن الثقات - الذين عليهم العمدةُ في المرويَّاتِ مما يوهم صِحتَهُ - فيُحكمُ عليهِ بالصحةِ، ويعتبرُ دليلاً لحكمٍ شرعي، وليس هُو بصحيح بل هو ضعيفٌ معلولٌ، وقد ضربت أمثلةً كثيرة في هذه الدراسة تدل على ما ذكرتُ آنفاً.
(1/8)
وما هذا البحثُ إلا محاولةً للكشفِ عَنْ منهجِ الإمامِ الدارقطنيِّ، ومعرفةِ الطريقةِ التي كان يَسْلُكَهَا في نقدِهِ للأحاديثِ والآثارِ، ودراسةِ وجوهِ نقدهِ للأخبارِ وتعليلِهَا أو ترجِيحِهَا عن طريقِ السندِ والمتنِ، دراسةً تحليليةً تطبيقيةً لكيفيةِ نَقْد أهلِ الحديثِ للسندِ والمتنِ بخلافِ طريقةِ الملاحدةِ من المستشرقينَ وغَيرهِم، ثم تحليلُ وشرحُ بعض أوجه تعليله للأحاديثِ في سياقِ فهمِهِ لمعاييرِ النَّقدِ، ودراسةِ مصطلحاتِ وألفاظِ الإمامِ الدارقطنيِّ، وأئمةِ النُّقاد والمقارنة بينهم، وفهمُ مقاصدُ عباراتهِم في نَقْدِ الحديثِ، ومعرفةُ معاييرِ الإمامِ الدارقطنيِّ في التعليلِ، وهَلْ هِي مُطَّرِدَةٌ أم لا؟، ومعرفةُ الاتفاقِ أو الاختلافِ بينَهُ وبين النُّقادِ المتقدمينَ.
منهج البحث:
ولقد سلكتُ في هذا البحثِ عِدةَ محاورٍ لتكوينِ أصلِ هذهِ الدراسةِ، سأجملها فيما يلي:
- الأخذُ في الاعتبارِ مجموعةً من أحكامِ وأقوالِ الإمامِ الدارقطنيِّ في العللِ، ودراستِهَا دراسةً تفصيليةً، ومعرفةُ المقاييسِ التي كانَ ينتهجُهَا الإمامُ الدارقطنيِّ.
- التحققُ من نصوصِهِ وألفاظِهِ في التعليلِ من أصولِ كتبِهِ، أو من النقلِ الموثوقِ بِهِ.
- شرحُ وتحليلُ ألفاظهِ في التعليلِ والترجيحِ، وذلك تبعاً للمعاييرِ والضوابطِ التي كان يسيرُ عليهَا في الحكمِ على الحديثِ بالتعليلِ أو بالترجيحِ.
- بيانُ وجْهُ تَعليلِ أو ترجيحِ الدارقطنيِّ للحديثِ، وذِكرُ الأسبابِ التي جعلته يحكمُ بذلكَ، مع التعليقِ أو مناقشةِ ما ذهبَ إليهِ من الأحكامِ.
- ضَربُ الأمثلةِ من أَوجُهِ انتقاد الدارقطنيِّ للأحاديثِ، واستخراجُ البراهينِ والحججِ التي استندَ عليهَا في التعليلِ أو الترجيحِ.
- الاستشهادُ بقولِ الإمامِ الدارقطنيِّ في غيرِ كتابِ العللِ مِثلُ السؤالاتِ وغيرِهَا لبيانِ برهانِ أو حجةِ ما ذهب إليه في كتابهِ العللَ.
- إجراءُ مقارنةٍ بينَهُ وبين غيرِهِ من أئمةِ العللِ لتمييزِ منهجِهِ، واستخراجُ ضوابِطِهِ، وذكرُ معاني ألفاظِ التعليلِ والترجيحِ لمعرفةِ مرادِهِ وما ذَهبَ إليهِ
(1/9)
- بيانُ العلةِ المصرحِ بها أو المشارِ إليهَا عند غموضِ العلةِ، وشرحُ مرادُ الإمامِ الدارقطنيِّ فيها، ومناقشةُ ذلكَ.
- بيانُ منهجُ الدارقطنيِّ في قرائنِ التعليلِ والترجيحِ بين المرويَّاتِ، والمقارنةُ بينَه وبين من سبقَهَ من أئمةِ نقدِ الحديثِ.
- لم ألتزمْ تعريفَ كُلِّ الأعلامِ الواردِ ذِكرهُم في البحثِ، حيثُ إنَّ الهدفَ معرفةُ منهجُ الدارقطنيِّ في النقدِ، لذلكَ اقتصرت على التراجمِ التي عليهَا مَدَارِ العللِ في الحديثِ المذكورِ.
- تخريجُ الأحاديثِ والآثارِ، وبيانُ وجْهُ المعلولِ في المرويَّاتِ، أو الراجح منها للاحتراز من الخلط بين مرويَّات الحديث الواحد فيُعلَّل كله.
- نقلُ كلامِ أهلِّ النقدِ في الرجالِ توثيقاً وتجريحاً، ومناقشةُ ذلكَ.
خطة البحث:
فجاءتْ الرسالةُ علي مقدمةٍ وتمهيدٍ وأربعةِ أبوابٍ وخاتمةٍ وفهارسٍ علميةٍ.
فالمقدمةُ: وفيها أهميةُ البحثِ، وأسبابُ اختيارُهُ، ومنهجُ البحثِ والصعوباتُ التي واجهتني فيه.
والتمهيد: ويشتمل على: تعريفِ العلةِ لغةً واصطلاحاً، وتعريفِ معنى النقدِ لغةً واصطلاحاً، وبيانِ مشروعيةِ النقدِ والتعليلِ، وأهميةُ بيانُ علة الأحاديث والأخبار.
الباب الأول: الإمام الدارقطني وكتابه العلل.
وفيه فصلان.
الفصل الأول: ترجمة موجزة للإمام الدارقطني رحمه الله.
وفيه: سبعة مباحث.
(1/10)
الفصل الثاني: التعريف بكتاب العلل للإمام الدارقطني.
علل الدارقطني (العلل الواردة في الأحاديث النبوية).
وفيه: ستةُ مباحث.
الباب الثاني: مفهوم العلة وأجناسها وألفاظها عند الإمام الدارقطني:
وفيه فصلان.
الفصل الأول: مفهوم العلة عند الإمام الدارقطني.
وفيه مبحثان.
الفصل الثاني: أجناس العلل الخفية والظاهرة في الإسناد والمتون.
وفيه: أربعة مباحث.
الباب الثالث: ألفاظ التعليل ومدلولاتها عند الإمام الدارقطني.
وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأول: الألفاظ الدالة على ضعف الخبر أو عدم ثبوته.
وفيه مبحثان.
الفصل الثاني: الألفاظ الدالة على الخطأ والوهم والاختلاف.
وفيه مبحثان.
الفصل الثالث: الألفاظ الدالة على الغرابة والتفرد والترجيح.
وفيه مبحثان.
الباب الرابع: قرائن التعليل والترجيح عند الإمام الدارقطني.
وفيه فصلان.
الفصل الأول: قرائن التعليل عند الإمام الدارقطني.
(1/11)
وفيه ثلاثةُ مباحث.
الفصل الثاني: المتابعات والقرائن وأثرهما في الترجيح عند الإمام الدارقطني.
وفيه مبحثان.
الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث والتوصيات.
الفهارس العلمية.
عقبات البحث:
وقد لاقيتُ بعضُ الصعوباتِ في أثناءِ دراستي لهذا البحثِ، وربما راجعتُ من أجل معلومة لا تتجاوز سطراً أو سطرين عشرات الكتب للتحقق منها، فإنَّه مما لا ريب فيه أن دراسة منهج نقد الأخبار سنداً ومتناً لعالمٍ، أو ناقدٍ مكثر مثلَ الإمام الدارقطني من الأمور الصعبة بمكان، والتي تحتاج إلى جهدٍ في سبرِ ودراسةِ أقوالِهِ وأحكامِهِ في تعليلِ الأحاديثِ والآثارِ، ودراستِهَا دراسةً تحليليةً لمعرفةِ المعاييرِ التي كان يقيسُ عليهَا أحكَامَهُ، ودراسةِ الأقوالِ التي قَدْ تَخْرُجُ عَنْ نِطَاقِ منهجِهِ، ويمكنُ إجمالُ هذهِ الصِّعَابِ كالآتي:
- غموض إجابات السؤالات في بعض الأحيان، فإنَّ النُّقاد غالباً ما يشيرون إلى العلل ولا يصرحون بالقرائن أو بالأسباب التي جعلتهم يحكمون عليها.
- تحقيق نصوص وألفاظ الأحاديث والآثار التي في السؤالات وكتب العلل، فإنَّ النُّقادَ غالباً ما يشيرون إلى العلة في الخبر، ولا يأتون بنص الحديث أو الأثر مما يزيد من وقت البحث عن أصول الأخبار، والنقل الموثوق منها.
- ذَكَرَ الدارقطني في إجابات السؤالات أوجهاً كثيرةً للحديثِ، وغالبها جانب لا يستهان به إما عن طريق شُيوخِهِ، أو من المصادر التي لا توجد أصلاً، مما جعلني اعتمد بعض السؤالات التي يمكن التحقق منها، وترك السؤالات التي بها أوجهاً كثيرةً ليست في دواوين السنة المشتهرة.
(1/12)
- ذَكَرَ الدارقطنيُّ والنُّقادُ في مواضعٍ ليست بقليلةٍ أعلاماً بمجردِ كُنَاهُم، وقد يُسَمَّى بهذه الكُنية عدد لا بأس به من الرواة، مما يجعل الباحث يبذل كثيراً من التحقيق والتفتيش لتحديد أي الرواة المقصود به في نص الإمام.
- قد يُوحِي نص الناقد بأنَّ هناك حديث أو أثر يعارض الحديث المذكور في السؤال، ولا يصرح به أو حتى يشير إليه، مما يجعل تحقيق المسألة من الصعوبة بمكان ولكن تُفْتَح بفضل الله عزَّ وجلَّ.
- دراسة الأدلة والبراهين التي جعلت الناقد يحكم بالعلة على الحديث سواء كان ذلك من جهة الإسناد أو المتن، ومعرفة الراجح من المرجوح.
- ومن أصعب المهمات الترجيح بين الأوجه المعلة في الخبر الواحد عند وجود علة الاضطراب، لكثرة الوجوه المختلف فيها، ومعرفة البراهين التي استند إليها الدارقطني في ترجيحه لوجهٍ على غيره.
- جمع أقوال أهل النقد ومقارنة أقوالهم بأقوال الدارقطني في انتقاده للأخبار وبيان حجة الدارقطني عند الاختلاف إن وجدت ومناقشة ذلك.
- الترجيح بين أقوال أئمة النقد في الرجال عند الاختلاف في التوثيق والتجريح وذكر البراهين والحجج التي استندتُ إليها.
ولقد أفدت من بعض الدراسات العلمية التي بُحِثَت حول مصنفات الدارقطني، وكذلك استفدت من بعض كُتب العلماء المعاصرين مثل كُتب العلامة المعلمي اليمني، وكُتب العلامة أحمد محمد شاكر، وكُتب شيخنا العلامة محمد عمرو بن عبداللطيف، وقد استفدت كثيراً من مقدمة تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله رحمه الله لكتاب علل الدارقطني، وغَيرِهِم.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أُقَدِمُ شُكْرِي وَامتِنَانِي إِلِى كُل من قَدَّمَ لِي عَوْنَاً مِنْ الأَسَاتِذَةِ وَالأخْوةِ الكرام فِي إِخْرَاجِ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ، وأخص بالذكر: فضيلة الدكتور الشيخ يوسف بن عبدالرحمن المرعشلي - حفظه الله - عضو هيئة التدريس بالجامعة، والمشرف على رسالة الماجستير، فقد نصح فأخلص، وأرشد فأصاب، وأشرف فعلّمَ وأفاد ولم يدخر وسعاً في تقويم
(1/13)
الرسالة وتسديد الأخطاء، فجزاه الله عني خير الجزاء، وإلى الأساتذة الكرام أعضاء لجنة المناقشة على تكرمهم بقبول مناقشة هذا البحث وتقويمه، ... كما أرفع جزيلَ الشكرِ والعرفانِ إلى كلٍّ من: فضيلة الدكتور الشيخ محمد رشيد قباني - حفظه الله - مفتي الجمهورية، ورئيس الجامعة، وفضيلة الدكتور الشيخ أنس طبَّارة - حفظه الله - عميد كلية الشريعة بالجامعة، وفضيلة الدكتور الشيخ علي الطويل - حفظه الله - أمين سر كلية الشريعة بالجامعة، على كل ما قدَّموه لي من مساعدات في اعتماد هذا البحث الجليل، وتذليل الصعاب، اللهم اجعله في موازين حسناتهم، يوم لا ينفع المرء إلا ما قدم من عمل، فهو ولي ذلك والقادر عليه سبحانه.
كما أتوجه بشكري العميق، وامتناني العظيم لشيوخي الأفاضل الذين كان لهم الفضل علىَّ- بعد الله عزَّ وجلَّ- في معرفة علم الحديث وأخص بالذكر: فضيلة الشيخ محمد عمرو بن عبداللطيف - رحمه الله وأدخله فسيح جناته -، فإنَّه كان من كبار علماء الحديث في أرض الكنانة، وكذلك فضيلة الشيخ حجازي أبو إسحاق الحويني - حفظه الله -، فقد أفدت كثيراً من أبحاثهما في علوم الحديث، فجزاهم الله عني خير الجزاء.
وكما أتوجه بخالص الشكر إلى كُلِّ من قدم لي يد العون والمساعدة من قريب أو بعيد، وجزاهم الله عني كل خير، وجعل ذلك في موازين حسناتهم يوم القيامة، والله ولي التوفيق.
وآخر دعوانَا أنِ الحمد لله ربِّ العَالمين، وصَلَّي اللهُ علي النَّبيِّ الأمِّيِّ الذي علَّمَ البشريةَ صلاةً كلما ذَكَرَهُ الذَّاكِرونَ، وغفلَ عَن ذِكْرهِ الغَافِلُونَ، فإنِّي أسأل الله العلي القدير بأسمائه الحسني، وصفاته العلي، وبأني أشهد أن لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن يتقبل مني هذا البحث، وأن ينفع به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأسأله العفو والمغفرة عن تقصيري وعن زلاَّتي، فإنه هو الغفور الرحيم، وأسأله أن يجعل عملي هذا ابتغاء وجهه سبحانه، وأن يجعله ذُخْراً لي يوم الدين، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، وإنني سائلٌ أخاً انتفع به أن يدعو الله لي ولوالدي ولمشايخنا ولمن لهم فضلٌ علىَّ، وللمسلمين كافة فهو خير مسئول وبالإجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1/14)
تمهيد
ويشتمل على: تعريف العلة لغةً واصطلاحاً والعلاقة بينهما، وتعريف معنى النقد لغة واصطلاحاً، وبيان مشروعية النقد والتعليل، وأهمية بيان علة الأحاديث.
تعريف العلة لغة واصطلاحاً:
العلة في اللغة:
والعلة في اللغة المرض قال الجوهري "لا أعلَّكَ الله " (1)، أي لا أصابك الله بعلة أو مرض، ويقول أهل الحديث: " أعلَّه فلان " وقياسه "مُعلٌّ" وهو المشهور، وقال بعضهم معلولٌ، وقد اختلف أهل اللغة فيما هو القياس في تسمية الحديث المعلَّ بعلة: هل هو مُعلٌّ، أم معلول، أم معلَّل؟ فذهب جمعٌ من أئمة اللغة إلى أن القياس أن يقال: "مُعَلُّ" لأنه اسم المفعول من الفعل " أَعَلَّ " (2).
وأما لفظة " معلول ": فقد اختلف أهل اللغة في جوازه ومنعه فذهب قوم إلى أن أصلها " عَلَّهُ، يَعُلُّهُ، ويَعِلُّهُ " أي يسقيه المرة بعد المرة، ويقال عَلَّت الإبل تَعِلُّ وتعُلُّ إذا شربت الشَّربَةَ الثانية، وقال ابن الصلاح: " ويسميه أهل الحديث المعلول، وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذولٌ عند أهل العربية واللغة " (3). ... وقال النووي: " ويسمونه
_________
(1) الجوهري: إسماعيل بن حماد، أبو نصر، أصله من فاراب وأقام في نيسابور ومات بها (ت: 393 هـ)، الصَّحاح، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م (ج3/ ص 493)، مادة علل.
(2) ابن منظور: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، أبو الفضل (ت: 711 هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، (ج11/ ص 467) مادة علل، والفيروزآبادي: محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم، أبو طاهر، الشيرازي (ت: 817 هـ)، القاموس المحيط، طبعة دار الجيل بيروت، (ج4/ ص 21).
(3) ابن الصلاح: عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان الشهرزوري، أبو عمرو بن الصلاح (ت: 643 هـ)، علوم الحديث المشهور بمقدمة ابن الصلاح، طبعة دار الفكر، بيروت سنة 1969 م (ص 115).
(1/15)
المعلول وهو لحنٌ " (1) ونظم الحافظ العراقي (2) كلام ابن الصلاح في ألفيته فقال:
وَسَمِّ ما بعلَّةٍ مَشْمولُ ... مُعَلّلاً ولا تقل مَعْلُولُ.
وأما لفظة معلَّل: بمعنى علَّله بالشيء، إذا ألهاه وشغَله به، ومنه تعليل الصبي بالطعام، قال السخاوي: أن استعمال لفظ معلَّل على سبيل الاستعارة (3).
قلتُ: والراجح أن كل هذه الألفاظ صحيحة لأن لها أصولاً ثابتة في العربية فقد ذكر ابن فارس إن لكلمة علَّ أصولاً ثلاثة صحيحة: الأول: الضعف، والثاني: التكرار، والثالث: العائق (4). (4)
فأما الأول: فبمعنى المرض والضعف، كما يقال علًّ المريض يَعُلُّ علَّةً، وأعلَّهُ الله تعالى فهو مُعَلٌّ، وأما الثاني: فهو " العَلَلُ " والمراد به التكرار، من سقاه الشربة الثانية، وأما الثالث: " معلَّل " بلامين فبمعنى العائق من قولك أعاقه وشغله، أي علله بالشيء ألهاه وشغله به، فصحت جميع الألفاظ من جهة اللغة.
وقال ابن سِيدَه في المحكم والمحيط مؤيداً قول المحدثين: " ذهب إليه سيبويه، من قولهم مجنون ومسلول، من أَنَّهُ جاء على جَنَنتُه وسَللْته، وإن لم يستعملا في الكلام، استغنى عنهما بأفْعلْت، قال: " ولذا قالوا: جُنَّ وسُلَّ، فإنما يقولون: جُعل فيه الجنون والسُّلَّ، كما قالوا:
_________
(1) النووي: يحيي بن شَرف، أبو زكريا محيي الدين الشافعي (ت: 676 هـ)، التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، دار الجنان بيروت الطبعة الأولى سنة 1406 هـ، تحقيق: عبدالله عمر البارودي (ص 36).
(2) العراقي: عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، أبو الفضل، زين الدين، (ت: 806 هـ)، انظر الزركلي: خير الدين الزركلي، الأعلام، طبعة دار العلم للملايين، بيروت (ج3 / ص 344).
(3) السخاوي: محمد بن عبد الرحمن بن محمد المصري، شمس الدين أبو الخير (ت: 902 هـ) فتح المغيث، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403هـ، تحقيق: صلاح محمد عويضة
(ج 1/ ص 225).
(4) ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرًّازي، أبو الحسين (ت: 395 هـ)، معجم مقاييس اللغة، طبعة اتحاد الكُتًّاب العرب، 1423هـ / 2002م، تحقيق عبدالسَّلام محمد هَارُون (ج4 / ص 8 - 9).
(1/16)
حُزِنَ وفُسِل " (1).
وقد ورد لفظ " معلول " على ألسنة كثير من المحدثين المتقدمين كالبخاري والترمذي والحاكم والدراقطني وابن عدي وابن عبد البر والبيهقي وغيرهم (2)، واستعمله المتأخرون كذلك مثل الحافظ ابن حجر وسمى كتاباً له: "الزهر المطلول في الخبر المعلول" وهو من الكتب المفقودة كما ذكره العلامة أحمد شاكر (3)، واستعمله السخاوي أيضاً وغيرهم (4).
قلتُ: فخلاصة الأمر أن لفظة " معلول " صحيحة في اللغة ولاسيما أنَّ لها أصل، ولا شك أن المحدثين كانوا أيضاً مُتَمرِّسين في اللغة، فهم أولى الناس باستعمال الصحيح من اللغة، واستعمالهم هذه اللفظة في الحكم على الحديث الذي طرأت عليه العلة دليل صحة هذا اللفظ عندهم والله أعلم.
العلة في الاصطلاح:
قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: " وإنِّما يُعلَّلُ الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، إنَّ حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علةٌ فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاً " (5).
وتابعه على ذلك الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته فقال: " فالحديث المعلَّل هو: الحديث الذي أُطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن الظاهر السلامة منها، ويتطرق ذلك
_________
(1) ابن سِيدَه: علي بن إسماعيل، المعروف بابن سِيدَه الأندلسي، أبو الحسن (ت: 458 هـ)، المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، طبع معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1999م (ج1/ص 64).
(2) العراقي، التقيد والإيضاح، طبعة دار الفكر، بيروت، سنة 1969 م (ص117 - 118).
(3) أحمد بن محمد شاكر، أبو الأشبال (ت: 1377 هـ)، الباعث الحثيث، طبع مكتبة السنة سنة 1415 هـ (ص 91).
(4) السخاوي: محمد بن عبد الرحمن السخاوي، فتح المغيث (ج1/ ص260).
(5) ابن البيع النيسابوري: محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم النيسابوري، الشهير بالحاكم، ويعرف بابن البيع، أبو عبد الله (ت: 405)، معرفة علوم الحديث، دار الكتب العلمية، المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1397هـ (ص 112).
(1/17)
إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شرط الصحة من حيث الظاهر " (1).
وقد انتقد غير واحد تعريف ابن الصلاح، ومنهم الدكتور عبدالله بن محمد دمفو فقال: " لكن تعريفه هذا لم يُدخل العلل التي قد تطرأ على متن الحديث دون إسناده " (2).
قلتُ: وليس هذا بصحيح حيث إن لفظ ابن الصلاح: " أُطلع فيه على علة " تشمل علة الإسناد والمتن معاً، وأما قوله: " ويتطرق ذلك إلى الإسناد "، فهو توضيح لقوله: " مع أنَّ الظاهر السلامة منها "، ولذا لا يوجد في تعريف ابن الصلاح أي ملحظ، فهو في نظري مستقيم.
وذكر العلامة الشيخ زكريا الأنصاري تعريف العلة عن الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: " هو خبر ظاهره السلامة أُطلع فيه بعد التفتيش على قادح " (3)، وتابعه الحافظ السخاوي على ذلك (4).
وقد توسع بعض المحدثين في تعريف العلة في الاصطلاح على غير ذلك فأدخل بعضهم العلل الظاهرة ولم يشترطوا أن تكون العلة خفية، كالانقطاع في الإسناد، والإرسال، والإعضال والتدليس والاضطراب، كل ذلك يُعد عندهم علة كابن وضاح، وابن حزم، وابن العربي، وأبي علي الصدفي وأبي علي الغساني، وأبي محمد الرشاطي، وعبد الحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي وغيرهم (5).
_________
(1) العراقي، التقيد والإيضاح (ص116).
(2) عبدالله بن محمد دمفو، مرويات الإمام الزهري المعلة في علل الدارقطني رسالة دكتوراه، مطبوعة بمكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى سنة 1419 هـ (ج1/ ص91).
(3) السنيكي: زكريا بن محمد الأنصاري المصري أبو يحيي (ت: 926 هـ)، فتح الباقي على ألفية العراقي، دار الكتب العلمية، بيروت، (ج1/ ص 228).
(4) السخاوي: محمد بن عبد الرحمن، فتح المغيث (ج1/ ص260).
(5) أبو بكر بن الطيب كافي، منهج الإمام أحمد في التعليل من خلال كتابه العلل، دار ابن حزم بيروت، سنة 1426 هـ، (ص 155 - 156).
(1/18)
ملخص الخلاف في تعريف العلة في الاصطلاح:
القول الأول: أنَّ العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة في صحة الحديث، سواء كانت في السند أو في المتن وليس منها ما يقدح في ظاهر الإسناد من جرح في الراوي أو انقطاع في السند أو غيره، وهو قول الحاكم أبي عبدالله النيسابوري وابن الصلاح، والحافظ العراقي ومن تبعهم من أهل المشرق.
القول الثاني: أنَّ العلة هي كل ما يقدح في الخبر سواء كان خفياً غامضاً أو ظاهراً كالانقطاع أو التدليس أو الجرح في الراوي أو ما شابه ذلك، وهو قول ابن حزم، وعبدالحق الإشبيلي، وأبي علي الغساني وابن العربي المالكي، وعامة المغاربة.
والمختار من تعريف العلة في الاصطلاح:
وهو القول الأول أي: أنها سبب خفي غامض يقدح في الحديث، وإن كان الظاهر السلامة منه، وهو يدل علي وهم الراوي في روايته، سواء كان الوهم يتعلق بالإسناد أو بالمتن، ويُعلم هذا السبب بجمع الطرق، كما قال ابن المديني: " الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه " (1).
العلاقة بين المدلول اللغوي والاصطلاحي:
تكون العلاقة بينهما على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: وتكون العلة فيه بلفظ " مُعَلٌّ " بمعنى الضعف أو المرض، ووجه مناسبته للمعنى الاصطلاحي أن العلة إذا طرأت على الحديث الذي ظاهره الصحة أعلته فصار ضعيفاً أو مريضاً.
_________
(1) الخطيب البغدادي: أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر (ت: 463هـ)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، طبعة مكتبة المعارف، الرياض، طبعة سنة 1403 هـ، تحقيق: الدكتور محمود الطحان، (ج 2/ص212).
(1/19)
الوجه الثاني: وتكون العلة فيه بلفظ " العَلَلُ " بزيادة لام، بمعنى التكرار ووجه مناسبته للمعنى الاصطلاحي أن العلة تنشأ من إعادة النظر في الحديث مرة بعد مرة ليتبين علته، على ما ذكره بعضهم من لفظة " بعد التفتيش ".
الوجه الثالث: وتكون العلة فيه بلفظ " عَلَّلهُ " بمعنى ألهاه وشغله بالشئ ووجه مناسبته للمعنى الاصطلاحي أن الحديث المعلل هو الحديث الذي عاقته العلة وشغلته فلم يعد صالحاً للعمل به.
تعريف معنى النقد لغة واصطلاحاً:
والنقد في اللغة أصله تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، ومنه تسمية النقود، قال صاحب لسان العرب: " النقْدُ خلافُ النَّسيئة والنقْدُ والتّنْقادُ تمييزُ الدراهِم وإِخراجُ الزَّيْفِ منها، وقد أَنشد سيبويه:
تَنْفِي يَداها الحَصَى في كلِّ هاجِرةٍ ... نَفْيَ الدَّنانِيرِ تَنْقادُ الصَّيارِيفِ (1).
وقال الجوهري: " نَقَدْتُهُ الدراهمَ، ونَقَدْتُ له الدراهمَ، أي أعطيته، فانْتَقَدَها، أي قبضها. ونَقَدْتُ الدراهم وانْتَقَدْتُها، إذا أخرجتَ منها الزَيْفَ. والدرهم نَقْدٌ، أي وازِنٌ جيِّدٌ. وناقَدْتُ فلاناً، إذا ناقشته في الأمر " (2).وقال صاحب المحيط في اللغة: " النَّقْدُ: تَمْيِيزُ الدَّرَاهِم. وأخْذُها الانْتِقادُ " (3).
وقال صاحب تاج العروس: " النَّقْدُ: الجَيِّدُ الوازِنُ من الدَّراهِمِ. ودِرْهمٌ نَقْدٌ. ونُقُودٌ جِيادٌ من المجاز، النَّقْدُ: اخْتِلاسُ النَّظَرِ نَحْوَ الشيْءِ وقد نَقَدَ الرجُلُ الشيْءَ بنَظَرِه ينْقُده نَقْداً ونَقْد " (4).
_________
(1) ابن منظور، لسان العرب (ج3/ص425).
(2) الجوهري، الصَّحاح في اللغة (ج5/ص 126)، مادة نقد.
(3) الصاحب بن عباد: إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني (ت: 385 هـ)، المحيط في اللغة، طبعة دار عالم الكتب، بيروت، تحقيق محمد بن حسن آل ياسين، (مادة نقد).
(4) الزَّبيدي: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (ت: 1205)، تاج العروس من جواهر القاموس، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت (مادة نقد).
(1/20)
وقال ابن فارس: " (نقد) النون والقاف والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على إبراز شيءٍ وبُروزه ومن الباب نَقْد الدِّرهم، وذلك أن يُكشَف عن حالِهِ في جَودته أو غير ذلك. ودرهمٌ نَقْدٌ: وازِنٌ جيّد، كأنَّه قد كُشِف عن حاله فعُلم " (1)، فالنقد كما تبين هو إخراج وتمييز الجيد من الرديء لغة، وهو موافق لمصطلح المحدثين: أي تمييز الحديث الصحيح من الضعيف، وتمييز الأخبار من وجهتين: الأولى من جهة رواته توثيقاً وتجريحاً، والثانية من جهة المروي وهو متن الحديث إقراراً بصلاحيته أو تعليله.
بيان مشروعية النقد والتعليل:
أخرج البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: ((أَنَّ رَجُلاً اسْتَاذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ)) (2).
قال الخطيب البغدادي: " ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: ((بئس رجل العشيرة))، دليل على أن إخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجبه العلم والدين من النصيحة للسائل ليس بغيبة، إذ لو كان ذلك غيبة لما أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد عليه السلام بما ذكر فيه، والله
_________
(1) ابن فارس: أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة (ج5/ ص 375).
(2) البخاري: محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري (ت: 256 هـ)، الجامع الصحيح (مع الفتح)، طبعة دار الحديث القاهرة 1424 هـ، كتاب الأدب، باب لم يكن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فاحشاً ولا متفحشاً (ج10/ ص511)، برقم (6032)، ومسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أبو الحسين النيسابوري (261 هـ) صحيح مسلم (مع شرح النووي)، طبعة دار الحديث القاهرة، 1422 هـ، كتاب البر والصلة والآداب، باب مدارة من يتقى فحشه (ج8/ص 388)، برقم (2591).
(1/21)
أعلم، أن يبين للناس الحالة المذمومة منه وهي الفحش فيجتنبوها، لا أنه أراد الطعن عليه والثلب له، وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة، إنمَّا أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره، فيظنّه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرناه لا يكون غيبة " (1).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه: ((عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ)) (2).
وقال الخطيب البغدادي: " في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتُجتنب الرواية عنهم، وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر في أبي جهم: أنه لا يضع عصاه عن عاتقه وأخبر عن معاوية أنَّه صعلوك لا مال له، عند مشورة استشير فيها، لا تتعدى المستشير كان ذكر العيوب الكامنة في بعض نقلة السنن التي يؤدي السكوت عن إظهارها عنهم وكشفها عليهم إلى تحريم الحلال وتحليل الحرام، وإلى الفساد في شريعة الإسلام، أولى بالجواز وأحق بالإظهار وأما الغيبة التي نهى الله تعالى عنها بقوله عز وجل: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} (3) (3) وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بقوله:
_________
(1) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت (ص 39).
(2) مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم (مع شرح النووي)، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، (ج5/ ص 351 - 352)، برقم (1480).
(3) سورة الحجرات آية رقم (12).
(1/22)
((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ)) (1)، فهي ذكر الرجل عيوب أخيه يقصد بها الوضع منه والتنقيص له والإزراء به فيما لا يعود إلى حكم النصيحة، وإيجاب الديانة من التحذير عن ائتمان الخائن وقبول خبر الفاسق واستماع شهادة الكاذب " (2)
وقال الإمام مسلم في مقدمة الصحيح كلاماً غاية في الإتقان، وضَّح فيه مشروعية النقد عند علماء الحديث والأثر فقال: " وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث وإخْبارِهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم، وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثما بفعله ذلك غاشا لعوام المسلمين " (3).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: " وذكر ابن المبارك رجلاً فقال: " يكذبُ "، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن " تغتاب! "، قال " اسكت "، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟ " (4).
وقال أيضاً: " روي عن ابن عُليَّةَ أنَّه قال في الجرح إن هذا أمانة ليس بغيبة "، وروى أحمد بن مروان المالكي حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: جاء أبو تراب النخشبي إلي أبي فجعل أبي يقول: " فلان ضعيف وفلان ثقة "، فقال أبو تراب: " يا شيخ لا تغتب العلماء " قال: فالتفت
_________
(1) أبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير السجستاني، (ت: 275هـ)، السنن كتاب الأدب، باب الغيبة، طبعة دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، (ج2/ص686)، برقم (4880).
(2) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية (ص 40).
(3) مسلم بن الحجاج النيسابوري، مقدمة صحيح مسلم (بشرح النووي) (ج1/ ص132).
(4) ابن رجب: عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالرحمن البغدادي الدمشقي الحنبلي، زين الدين وابن رجب هو لقب جده (ت: 795 هـ)، شرح علل الترمذي، طبعة دار الكلمة للنشر، سنة 1418هـ، المنصورة، مصر (ص 87).
(1/23)
أبي إليه قال: " ويحك! هذا نصيحة، ليس هذا غيبة " (1).
أهمية بيان علة الأحاديث والأخبار:
إنَّ علم نقد الأخبار سنداً ومتناً يعتبر من أهم العلوم التي ساهمت في تقويم تاريخ الإسلام، والبحث في أوجه نقد الأحاديث وتعليلها من أهم المعارف والمباحث التي تُدرس في علم نقد الأخبار والمرويَّات، حيث أنها تكسب الباحث الخبرة والمعرفة، للتمييز بين الصحيح والضعيف، والتي تُؤهِّلهُ للحكم عليها ومدى صلاحيتها للاستشهاد بها في الأقوال والأعمال والأحكام الشرعية، ولخفاء علل الأحاديث على كثير من الناس إلا حذاق هذا الفن، حتى صار من أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما وإطلاعا وإدراكا لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة لاختلاف المرويَّات، لذا قام جهابذة النقاد من المحدثين ببيان علل الأحاديث من اضطراب، أو تصحيف، أو إدارج، أو نكارة أو شذوذ وغيرها، ليسُدُّوا هذه الثغرة عن الأمة، وقد يكون الحديث مروياً بالمعنى الخطأ عن الثقات - الذين عليهم العمدة في المرويَّات مما يوهم صحته - فيُحكم به، ويعتبر دليلاً لحكم شرعي وليس هو بصحيح بل هو ضعيف معلول.
فعلى سبيل المثال:
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: " سألتُ أبي عن حديث عبدالرحمن بن مهدي عن زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبدالله قال: ((دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِيني بِمَرَضِ رسُول اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فوصفت له حتى بلغت أنَّ رسول الله صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ خِفْةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَينَ رَجُلَينِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَصَلَّى النَّبي صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبي بَكْرٍ قَاعِدَاً وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي)) فقال أبي: " أخطأ عبدالرحمن في هذا الموضع، أو يكون زائدة أخطأ لعبدالرحمن، حدثني أبي قال: حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث، ومعاوية بن عمرو وخالفا عبدالرحمن
_________
(1) ابن رجب الحنبلي، شرح علل الترمذي (ص 88).
(1/24)
والصواب ما قال عبدالصمد ومعاوية " (1).
قلتُ: ووجه ما أشار إليه الإمام أحمد من الخطأ: أن وكيعاً أو زائدة جعل النَّبي صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يصلي خلف أبي بكر والصواب أنه صلى إلى جنبه، وائتمَّ أبو بكر رضى الله عنه بالنَّبي صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، والنَّاس يأتمون بأبي بكر وقد رجح الإمام أحمد رواية عبدالصمد بن عبدالوارث ورواية معاوية بن عمرو على رواية عبدالرحمن بن مهدي عن زائدة. وقد أخرجه على الصواب الإمام البخاري في صحيحه قال: حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبدالله بن عتبة قال: ((دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَخْبِرِيني بِمَرَضِ رسُول اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ... فَأجْلَسَاهُ إِلِي جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبَو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُو يَاتَمُ بِصَلاةِ النَّبي صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاس بِصَلاّةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبي صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَاعِدَاً)) (2). وأسند فيها روايتي عبدالصمد بن عبدالوارث ومعاوية بن عمرو , وهو الصحيح الراجح.
ومثال آخر: قال الإمام الترمذي في العلل الكبير: " حدثنا محمود بن غيلان، ومحمد ابن رافع، قالا: حدثنا عبدالرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)). سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: " هو غير محفوظ، وسألت إسحاق بن منصور عنه فأبى أن يحدث به عن عبدالرزاق، وقال: هو غلط، قلت له: ما علته؟ قال: روى عنه هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبدالله بن قارظ، عن السائب بن يزيد، عن رافع ابن خديج، عن النبَّي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ
_________
(1) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، أبو عبدالله (ت:241هـ)، كتاب العلل ومعرفة الرجال طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، ودار الخاني، الرياض، سنة 1407هـ، تحقيق وتخريج: الدكتور وصي الله بن محمد عباس، (ج3 /ص304).
(2) البخاري: محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح (مع الفتح)، كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام لِيُؤْتَمَّ بِهِ، برقم (687)، وبرقم (5384)، وبرقم (5385).
(1/25)
البَغِي خَبِيثٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ)) (1)
قلتُ: ووجه علة هذا الحديث أنهم اختلفوا على إسناده، فأدخل بعضهم حديث: ((كسب الحجام خبيث، ومهر البغي خبيث، وثمن الكلب خبيث)) في حديث ((أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ))، وكان الوهم فيه من معمر بن راشد، وهو ثقة ثبت حيث خالف فيه جمع من الثقات.
قال الحافظ البيهقي في السنن: " وخالفهم معمر بن راشد فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبدالله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج قال: قال رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)) (2).
فظهر الوهم في هذا السند إلا أن الحديث ثابت من أوجه وأسانيد أخرى لم تسلم من العلة فقد أعلّوهُ بالإرسال كما أشار إليه الحافظ البيهقي (3)، حيث رواه بعضهم مرسلاً وبعضهم موصولاً.
ومثال آخر: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في النكت: " ومن الأحاديث التى رواها بعض الرواة بالمعنى الذى وقع له، وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه: ما رواه العلاء بن عبدالرحمن] بن يعقوب الحرقى [، عن أبيه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُلُّ صَلاَةٍ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِأمِّ الْكِتَابِ فَهِىَ خِدَاجٌ ...))، ورواه عنه سفيان بن عيينه , وإسماعيل بن جعفر , وروح بن القاسم , وعبدالعزيز الدراوردي , وطائفة من أصحابه , وهكذا رواه عنه شعبة في رواية من حفاظ أصحابه وجمهورهم، وانفرد وهب بن جرير عن شعبة بلفظ: ((لا
_________
(1) الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي، أبو عيسى (ت: 279 هـ) علل الترمذي الكبير، رتبه أبي طالب القاضي، طبعة عالم الكتب، بيروت، سنة 1409هـ، تحقيق: السيد صبحي البدري السامرائي ومن معه، (ج1/ص 45 - 46).
(2) البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، أبو بكر (ت:458 هـ)، السنن الكبرى طبعة مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، سنة 1414 هـ، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، (ج4/ص265).
(3) المصدر السابق (ج4/ ص 266 - 267).
(1/26)
تُجْزِئُ صَلاَة لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) (1)،
حتى زعم بعضهم أن الرواية مفسرة للخداج الذي في الحديث وأنه عدم الإجزاء، وهذا لا يتأتًّى إلا لو كان مخرج الحديث مختلفاً، فأما والسند واحد متحد فلا ريب في أنَّه حديث واحد اختلف لفظه، فتكون رواية وهب بن جرير شاذة بالنسبة إلى ألفاظ بقية الرواة، لاتفاقهم دونه على اللفظ الأول ولأنَّه يبعد كلَّ البعد أن يكون أبو هريرة رضي الله عنه سمعه باللفظين، ثم نقل عنه ذلك، فلم يذكره العلاء لأحد من رواته _ على كثرتهم _ إلا لشعبة، ثمَّ لم يذكره شعبة لأحدٍ من رواته _ على كثرتهم _ إلا لوهب بن جرير " (2).
قلتُ: ذكر الحافظ البيهقي في السنن الكبري (3)، وتبعه الحافظ في النكت (4) ... بلفظ: ((كُلُّ صَلاَةٍ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِأمِّ الْكِتَابِ فَهِىَ خِدَاجٌ))، وعزوا الحديث للإمام مسلم ... في صحيحه، وهو وهم منهما رحمهما الله، ولكن ورد هذا اللفظ عند الإمام أحمد في المسند (5)، وكذلك في السنن لابن ماجة (6) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولكن الحديث عند الإمام مسلم بلفظ: ((مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَا فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ))، من حديث سفيان بن عيينة
_________
(1) ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، أبو بكر، (ت:311هـ) صحيح ابن خزيمة، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1390هـ، كتاب الصلاة، باب ذكر الدليل على أن الخداج الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر هو النقص ... ، (ج1/ ص248) حديث رقم (490) ..
(2) ابن حجر: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين (ت:852 هـ)، النكت على ابن الصلاح، طبعة دار الراية، الرياض، (ج2/ ص806 - 808).
(3) البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبري (ج2/ ص38).
(4) ابن حجر: أحمد بن علي، الحافظ أبو الفضل العسقلاني، النكت (ج2/ ص806 - 808).
(5) أحمد بن حنبل، المسند، دارالبشير، عمان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط (ج2/ 457) (برقم9900).
(6) ابن ماجه: محمد بن يزيد الربعي القزويني، أبو عبد الله، (ت:273هـ)، السنن طبعة دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (832).
(1/27)
عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة (1)
ومعلوم أن ترجمة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيها كلام من أهل العلم، فقد ذكر خلاصة ذلك العلامة أحمد شاكر كلاماً غاية في التحقيق والإتقان فقال: " فقد اختلف كثيراً في الاحتجاج برواية عمرو عن أبيه عن جده أما عمرو فإنه ثقة من غير خلاف، ولكن أعلَّ بعضهم روايته عن أبيه عن جده بأن الظاهر أن المراد جد عمرو وهو محمد بن عبدالله بن عمرو فتكون أحاديثه مرسلة، ولذلك ذهب الدارقطني إلى التفصيل، ففرق بين أن يفصح بجده أنَّه " عبدالله " فيحتج به، أو لا يفصح فلا يحتج به، وكذلك إن قال: " عن أبيه عن جده سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو نحو هذا مما يدل على أن المراد الصحابي فيحتج به وإلا فلا ".
وذهب ابن حبان إلى تفصيل آخر: وهو أنه إن استوعب ذكر آبائه في الرواية احتج به وإن اقتصر على قوله: " عن أبيه عن جده " لم يحتج به. وقد أخرج في صحيحه حديثاً واحداً هكذا: " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن محمد بن عبدالله بن عمرو عن أبيه مرفوعاً: ((ألاَ أُحَدِثُكُمْ بِأَحَبكُمْ إلىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ القِيَامَةِ)) (2)، الحديث. قال الحافظ العلائي: " ما جاء فيه التصريح برواية محمد عن أبيه في السند فهو شاذ نادر، وقال ابن حبان في الاحتجاج لرأيه برد رواية عمرو عن أبيه عن جده: إن أراد جده عبدالله فشعيب لم يلقه، فيكون منقطعاً، وإن أراد محمداً فلا صحبة له فيكون مرسلاً. ... قال الذهبي في الميزان: " هذا لا شئ، لأن شعيباً ثبت سماعه من عبدالله، وهو الذي رباه حتى قيل: إن محمداً مات في حياة أبيه عبدالله، وكفل شعيباً جده عبدالله، إذا قال عن أبيه عن جده، فإنما يريد بالضمير فيه " جده " إنه عائد إلى شعيب، وصح أيضاً أن شعيب سمع من معاوية وقد مات معاوية قبل عبدالله بن عمرو بسنوات، فلا ينكر له السماع من جده سيما وهو الذي رباه وكفله "، والتحقيق أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من أصح الأسانيد كما قلنا آنفاً، قال البخاري: " رأيت أحمد بن حنبل
_________
(1) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم (بشرح النووي)، (ج2/ ص336) برقم (395) ..
(2) الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة، السنن، (ج4/ ص370) برقم (2018).
(1/28)
وعلي بن المديني وإسحاق بن رَاهَويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحدٌ من المسلمين. قال البخاري: " من الناس بعدهم؟!. وروى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن رَاهَويَهْ قال: " إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر".
قال النَّووي: " وهذا التشبيه نهاية في الجلالة من مثل إسحاق " (1).
مما سبق يتبين لنا أن لنقد الأحاديث أهمية كبرى لمعرفة الغث من الثمين منها، وتمييز الصحيح الراجح من الأحكام الشرعية التي عليها مدار الدين، وإحقاق الحق وإبطال الباطل، وثمة فرق شاسع، وبون عظيم، بين نقد علماء الحديث للأخبار والمرويَّات، وبين أولئك المستشرقين الذين لم يكن لهم هم إلا الطعن في هذه الأخبار والآثار، لتأسيس منهج جديد مخالف لأصول أهل العلم وجهابذة هذا الفن ليكون ذريعة لمن في قلوبهم مرض ليسيروا خلفهم، وينتهجوا مناهجهم، للتشكيك في دين الله، وضرب المصدر الثاني في الإسلام، وفي هذا ما فيه من تنكب الأفهام، والانتكاس عن الجادة، والتسور على الكبار، لكن هيهات هيهات، وشتان بين الثرى والثريا، فإن الله عز وجل حفظ الدين بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2)، والقرآن ذكرٌ قد دلت عليه آيات كثيرة منها قوله: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (3) والسنة والأحاديث النبوية الشريفة ذكر كذلك فقد قال الله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (4)، فحفظ الله القرآن والسنة معاً إلى قيام الساعة، ولن ينال هؤلاء من القُرآنِ ولا من السُّنةِ الشريفةِ أبداً، والله سبحانه وتعالى الموفق، فله الحمد والمنَّة.
_________
(1) أحمد محمد شاكر من آل أبي العلياء، أبو الأشبال (ت: 1377 هـ)، الباعث الحثيث شرح مختصر علوم الحديث، مكتبة السُّنة، القاهرة 1415 هـ، (ص 284).
(2) سورة الحجر آية (9).
(3) سورة الأنبياء آية (50).
(4) سورة النحل آية (44).
(1/29)

=======


( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
منهج الإمام الدارقطني في نقد الحديث في كتاب العلل
الباب الأول
الإمام الدارقطني وكتابه العلل
وفيه فصلان:
الفصل الأول: ترجمة موجزة للإمام الدارقطني رحمه الله.
وفيه: سبعة مباحث.
المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده.
المبحث الثاني: نشأته وبداية طلبه للعلم.
المبحث الثالث: رحلاته العلمية وشيوخه وتلامذته.
المبحث الرابع: منزلته العلمية.
المبحث الخامس: وفاته.
المبحث السادس: آثاره العلمية.
المبحث السابع: دراسات علمية فيه وبعض مؤلفاته.
الفصل الثاني: التعريف بكتاب العلل للإمام الدارقطني.
علل الدارقطني (العلل الواردة في الأحاديث النبوية).
وفيه: ستُ مباحث.
المبحث الأول: اسم الكتاب ومؤلفه.
المبحث الثاني: قيمة الكتاب العلمية.
المبحث الثالث: محتوى الكتاب.
المبحث الرابع: مصادر الإمام الدارقطني في الكلام على العلل والرواة.
المبحث الخامس: الطريقة التي كان يسلكها الدارقطني في بيان العلل.
المبحث السادس: الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في العلل على أحد الصحيحين.
(1/31)
الفصل الأول
ترجمة موجزة للإمام الدَّارَقُطْني رحمه الله (1).
المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده.
اسمه ونسبه: علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبدالله، أبو الحسن الدَّارَقُطْني - بفتح الدال وبعد الألف راء مفتوحة، ثم قاف مضمومة وبعدها طاء مهملة ساكنة، ثم نون - الشافعي أمير المؤمنين في الحديث، نُسِبَ لدارقطن كانت محلة كبيرة ببغداد (2).
مولده: ولد في خمس من ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة (306) هجرية في دار قطن ببغداد (3).
المبحث الثاني: نشأته وبداية طلبه للعلم.
طلب العلم منذ نعومة أظفاره، واهتم بالحديث روايةً ودرايةً، فبدأ يتردد على مجالس العلماء والمحدثين وعمره لم يتجاوز العشرة، قال الخطيب البغدادي: " حكى لنا يوسف القَوَّاس كنا نمر إلى البغوي، والدَّارَقُطْني صبي يمشي خلفنا، بيده رغيف وعليه كامخ (4)، فدخلنا إلى ابن منيع ومنعناه فقعد على الباب يبكي " (5).
_________
(1) سبق وأن كتب الدكتور محفوظ الرحمن زين الله السلفي ترجمة للدارقطني في مقدمة تحقيقه لعلل الدارقطني، وكذا الدكتور عبدالله بن محمد دمفو في كتابه مرويات الزهري المعلة وهي رسالة دكتوراه مطبوعة، وقد أفدت منهما وأوجزت، وزدت عليهما أشياء توصلت إليها بالدراسة والاستدراكات والتعقيبات إن وجدت.
(2) ابن خلكان: أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر، أبو العباس شمس الدين (ت: 681 هـ) وفيات الأعيان طبعة دار صادر، بيروت 1994م، تحقيق إحسان عباس (ج3 /ص 298 - 299).
(3) المصدر السابق، (ج3/ 298).
(4) الكامَخُ: نوع من الأدْم، لسان العرب مادة كمخ (ج3 / ص 49).
(5) ابن عساكر: علي بن الحسن بن هبة الله، أبو الفضل، تاج الأمناء (ت:571هـ) تاريخ دمشق طبعة دار الفكر، بيروت 1419هـ، تحقيق علي شيري (ج43 / ص 98).
(1/33)
حضر في بداية طلبه للعلم مجلس الإمام إسماعيل الصفار، فجلس ينسخ جزءاً كان معه وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدَّارَقُطْني: فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر، ثم قال له ذلك الرجل: أتحفظ كم أملى حديثا؟، فقال: إنَّه أملى ثمانية عشر حديثاً إلى الآن، والحديث الأول منها عن فلان، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئاً، فتعجب الناس منه (1).
المبحث الثالث: رحلاته العلمية وشيوخه وتلامذته.
رحل الإمام الدَّارَقُطْني إلى الكوفة، والبصرة، وواسط، وتَنِّيس، كما ارتحل في كهولته إلى الشام ومصر، وخوزستان، وجاء إلى مكة حاجاً فاستفاد وأفاد، قال الحاكم: دخل الدارقطني الشام ومصر على كبر السن، وحج واستفاد وأفاد (2).
شيوخه: (3)
سمع أبو الحسن الدَّارَقُطْني من خلق كثير لا يحصون، والمشايخ الذين روى عنهم في كتاب العلل يربو عددهم على مائتين، منهم:
1 - إبراهيم بن أحمد بن الحسن القرميسيني (ت: 358 هـ).
2 - إبراهيم بن حماد بن إسحاق، أبو إسحاق الأزدي (ت 323 هـ).
_________
(1) ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن درع القرشي الدمشقي، أبو الفداء، عماد الدين (ت: 774 هـ)، البداية والنهاية طبعة إحياء التراث العربي، بيروت 1408 هـ، تحقيق على شيري (ج11 / ص362)، وابن عساكر، تاريخ دمشق، (ج43 / ص98).
(2) الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان، شمس الدين (ت: 748 هـ)، سير أعلام النبلاء طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت 1413 هـ، (ج16 / من ص 499 - 457)، بتصريف.
(3) محفوظ الرحمن زين الله السلفي في مقدمة تحقيق علل الدارقطني طبعة دار طيبة، الرياض 1405 هـ، (ج1 / ص 13 - 14)، والذهبي، تذكرة الحفَّاظ، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت (ج3/ 821، 832 - 833،839 - 842).
(1/34)
3 - أحمد بن إسحاق بن البهلول، أبو جعفر القاضي (ت 318 هـ).
4 - أحمد بن العباس بن أحمد، أبو الحسن البغوي (ت: 322 هـ).
5 - أحمد بن عبد الله بن محمد، أبو بكر وكيل أبي الصخرة (ت: 325 هـ).
6 - أحمد بن عيسى بن السكن بن فيروز، أبو العباس الشيباني (ت: 323 هـ).
7 - أحمد بن محمد بن سعيد، أبو العباس، ابن عقدة (ت: 323 هـ).
8 - أحمد بن محمد بن عبدالله بن زياد، أبو سهل القطان (ت: 350 هـ).
9 - أحمد بن نصر بن طالب، أبو طالب الحافظ (ت: 323 هـ).
10 - إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار (ت: 341 هـ).
11 - حسين بن إسماعيل، أبو عبدالله القاضي المحاملي (ت: 330 هـ).
12 - الحسين بن محمد بن سعيد، أبو عبدالله البزار المعروف بابن المطبقي (ت: 328هـ).
13 - دعلج بن أحمد بن دعلج، أبو إسحاق المعدل (ت: 351 هـ).
14 - عبدالله بن محمد بن زياد، أبو بكر النيسابوري (ت: 324 هـ).
15 - عبدالله بن محمد بن سعيد بن زياد، أبو محمد المقري (ت: 323 هـ).
16 - عبدالله بن محمد بن عبد العزيز، أبو القاسم البغوي (ت 317 هـ).
17 - علي بن عبدالله بن مبشر، أبو الحسن الواسطي (ت: 324 هـ).
18 - القاسم بن إسماعيل، أبو عبيد المحاملي (ت 323 هـ).
19 - محمد بن عبدالله بن إبراهيم، أبو بكر الشافعي (ت: 354 هـ).
20 - محمد بن مخلد بن حفص، أبو عبدالله الدوري العطار (ت: 331 هـ).
21 - يحيى بن محمد بن صاعد، أبو محمد الهاشمي (ت: 318 هـ).
22 - يعقوب بن إبراهيم بن أحمد، أبو بكر البزار (ت: 322 هـ).
(1/35)
تلامذته: (1)
سمع من الدَّارَقُطْني عدد كثير من الحفاظ والفقهاء وغيرهم، أكتفي بذكر بعضهم:
1 - أحمد بن عبدالله بن أحمد، أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ).
2 - أحمد بن محمد بن غالب، أبو بكر البرقاني (ت: 425 هـ).
3 - تمام بن محمد بن عبيدالله بن جعفر الرازي (ت: 414 هـ).
4 - حمزة بن محمد بن طاهر بن يونس، أبو طاهر الدقاق (ت: 424 هـ).
5 - حمزة بن يوسف بن موسى، أبو القاسم السهمي (ت: 427 هـ).
6 - الحسن بن علي بن محمد بن الحسن بن عبدالله، أبو محمد الجوهري (ت:454 هـ).
7 - عبدالغني بن سعيد الأزدي الحافظ (ت: 409 هـ).
8 - عبد بن أحمد بن محمد، أبو ذر الهروي (ت: 434 هـ).
9 - عبيدالله بن أحمد بن عثمان، أبو القاسم الأزهري (ت: 435 هـ).
10 - محمد بن الحسين بن محمد، أبو عبدالرحمن السلمي (ت: 412 هـ).
11 - محمد بن عبدالله بن محمد، أبو عبدالله الحاكم (ت: 405 هـ).
12 - محمد بن عبد الملك بن بشران، أبو بكر القرشي (ت: 448 هـ).
_________
(1) محفوظ الرحمن زين الله السلفي في مقدمة تحقيق علل الدارقطني (ج1 / ص 15)، والذهبي، تذكرة الحفَّاظ (ج3/ 1092 - 1098، 1056 - 1058، 1089 - 1091، 1047 - 1050، 1046 - 1047).
(1/36)
المبحث الرابع: منزلته العلمية.
كان الإمام الدَّارَقُطْني من بحور العلم ومن أئمة الدنيا، اهتم بدراسة علم القراءات، والحديث، واللغة، والفقه، وقد جُمع له الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله، مع التقدم في القراءات وطرقها، وهو أول من صنف في علم القراءات، وله فهم ثاقب في الفقه، والاختلاف، والمغازي، وأيام الناس، وغير ذلك، ولقد أثنى عليه كثير من العلماء بما لا يدع مجالاً لأحد للثناء عليه بعدهم، وقد أوردت بعض النصوص بإيجاز غير مخل طلباً للاختصار.
ثناء العلماء عليه:
قال الحافظ ابن عساكر: " قال أبو عبدالله الحاكم: الحافظ الدَّارَقُطْني رضي الله عنه صار واحد عصره في الحفظ والفهم والورع وإماماً في القُرَّاءِ والنحويين، أول ما دخلت بغداد كان يحضر المجالس وسِنَّه دون الناس وكان أحد الحفاظ، ثم صَحِبنا في رحلتي الثانية وقد زاد على ما كنت شاهدته، وحج شيخنا أبو عبدالله بن أبي ذهل سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وانصرف فكان يصف حفظه وتفرده بالتقدم حتى استنكرت وصفه إلى أن حججت سنة سبع وستين، فلما انصرفت إلى بغداد أقمت بها زيادة على أربعة شهر وكثر اجتماعنا بالليالي والنهار، فصادفته فوق ما كان وصفه الشيخ أبو عبدالله وسألته عن العلل والشيوخ ودونت أجوبته عن سؤالاتي وقد سمعها مني أصحابي " (1). ... .
فتعقبه الحافظ الذهبي فقال: " وهم الحاكم، فإن الحاكم إنما دخل بغداد سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة، وسن أبي الحسن خمس وثلاثون سنة " (2).
وقال الحافظ الذهبي: " صنف التصانيف: وسار ذكره في الدنيا، وهو أول من صنف في القراءات، وعقد لها أبواباً قبل فرش الحروف، تلا على أبي الحسين أحمد بن بويان، وأبي بكر
_________
(1) ابن عساكر، تاريخ دمشق طبعة دار الفكر بيروت 1419 هـ، (ج 43/ص 97)، والذهبي تذكرة الحفاظ مختصراً (ج3/ 991 - 992).
(2) الذهبي، سير أعلام النبلاء (ج16/ 450 - 452).
(1/37)
النقاش، وأحمد بن محمد الديباجي، وعلي بن ذؤابة القزاز وغيرهم، وسمع حروف السبعة من أبي بكر بن مجاهد، وتصدر في آخر أيامه للإقراء.
وقال الخطيب البغدادي: كان الدَّارَقُطْني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده وإمام وقته، انتهى إليه العلو في الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة، وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم سوى الحديث، منها القراءات، فإنه له فيها كتاب مختصر، جمع الأصول في أبواب في أول الكتاب، وسمعت من يعتني بالقراءات يقول: لم يُسبق أبو الحسن إلى طريقته في هذا وصار القراء بعده يسلكون ذلك، قال: ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتابه " السنن " يدل على ذلك، وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وقيل على غيره ومنها المعرفة بالأدب والشعر" (1).
وقال الحافظ ابن كثير: " قال أبو عبدالله الحاكم: لم ير الدارقطني مثل نفسه " (2).
قال الحافظ الذهبي: " وقال الخطيب: قال لي أبو القاسم الأزهري: " كان الدارقطني ذكياً إذا ذوكر شيئا من العلم - أي نوع كان - وُجِد عنده منه نصيب وافر " (3).
وقال ابن خلكان: " الدارقطني الحافظ المشهور، كان عالماً حافظاً فقيهاً على مذهب الإمام الشافعي أخذ الفقه عن أبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي ". ... .
وقال أيضا: " انفرد بالإمامة في علم الحديث في دهره، ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه، وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد، وكان عارفاً باختلاف الفقهاء ويحفظ كثيراً من دواوين العرب " (4).
_________
(1) المصدر السابق.
(2) ابن كثير، البداية والنهاية، (ج11/ 362).
(3) الذهبي، تذكرة الحفَّاظ (ج3 / ص 993).
(4) ابن خلكان، وفيات الأعيان (ج3 / ص 297).
(1/38)
وقال الحافظ الذهبي في السير: " كان من بحور العلم ومن أئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله مع التقدم في القراءات وطرقها وقوة المشاركة في الفقه والاختلاف والمغازي وأيام الناس وغير ذلك " (1).
وقال الحافظ ابن كثير: " الحافظ الكبير، أستاذ هذه الصناعة، وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سمع الكثير وجمع وصنف وألَّف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل، والجرح والتعديل، وحسن التصنيف والتأليف، واتساع الرواية والإطلاع التام في الدراية " (2). ... . ...
المبحث الخامس: وفاته.
توفي الإمام الدارقطني رحمه الله تعالى في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وقد اختلف في تحديد اليوم والتاريخ، فقيل توفي يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة وقيل ذي الحجة، سنة خمس وثمانين وثلثمائة ببغداد، وصلى عليه أبو حامد الإسفرائيني الفقيه، ودفن في مقبرة باب الدير، قريب من معروف الكرخي رحمهما الله (3). ... وقال الخطيب في ترجمته: حدثني أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا، قال: رأيت كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة، فقيل لي: ذاك يُدْعى في الجنة الإمام (4).
وأما ذكر أولاده: فلم تَذْكُر مصنفات التاريخ، ولا التراجم عن أولادهِ شيئاً فيما أعلم، مع كثرة البحث والتنقيب.
_________
(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء (ج16/ ص 450).
(2) ابن كثير، البداية والنهاية (ج11/ ص 362).
(3) وانظر للتفصيل: ابن خلكان، وفيات الأعيان (ج3 /ص 398)، وفي تذكرة الحفَّاظ، (ج 3 /ص995)، وابن كثير، البداية والنهاية (ج11/ ص 317).
(4) الذهبي، سير أعلام النبلاء (ج16/ ص 457).
(1/39)
المبحث السادس: آثاره العلمية.
لقد صنف الإمام الدارقطني في فنون عديدة، منها في الحديث وعلومه وأسماء الرجال والقراءات، والفقه، والعقيدة وكان حسن التصنيف والتأليف، وله مؤلفات قد أحصى الدكتور عبدالله الرحيلي في رسالته: " الإمام الدارقطني وكتابه السنن " مصنفاته الموجودة منها والمفقودة، والمطبوع منها والمخطوط فبلغت ثلاثة وخمسين كتاباً (1)، وأحصى الدكتور موفق عبدالقادر في مقدمة تحقيق كتابه المؤتلف والمختلف مصنفات الدارقطني فذكر له اثنين وثمانين مصنفاً (2).
وأكتفي هنا بذكر بعضها:
أولاً المخطوطات:
1. كتاب الأفراد، لا يوجد منه إلا جزءان في دار الكتب الظاهرية، وتوجد صورة منه في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية، ومكتبة المسجد النبوي قسم المخطوطات من مجموع برقم حاسب (8423) وعدد أوراقه 10، بخط نسخي معتاد، عدد الأسطر 17 مقاس 30:41، والمخطوط عليه بعض السماعات وعلى الرسالة سماع ليحيى بن منده سنة 469هـ، وقد رتب أطرافه ابن طاهر القيسراني على مسانيد الصحابة، قدم مسانيد العشرة المبشرين بالجنة، ثم رتبه على حروف المعجم، توجد في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية نسختان مصورتان، إحداهما من دار الكتب المصرية بالقاهرة، وثانيهما من كلية القرويين بفاس، بالمغرب.
_________
(1) عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، الإمام الدارقطني وكتابه السنن (رسالة دكتوراه غير منشورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ص: 180 - 233 من رسالته).
(2) موفق عبد القادر، مقدمة المؤتلف والمختلف للدارقطني، طبعة دار الغرب الإسلامي، بيروت سنة 1986م (ج1/ ص 41 - 42).
(1/40)
2. رباعيات أبي بكر الشافعي انتقاء أبي الحسن الدارقطني وهي جزء لطيف جمعه الحافظ الدارقطني من الجزء الرابع والثامن من فوائد الإمام محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبد ربه أبو بكر الشافعي المتوفي سنة 354 هـ، من رواية المحاملي عنه، وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية حديث برقم: (359)، ولدي مصورة منها، ولها نسخة مصورة بمكتبة المسجد النبوي الشريف برقم (5219)، وتقع في 30 ورقة، نسخها سليمان بن حمزة بن أحمد المقدسي سنة 690 هـ، نوع الخط نسخ معتاد، وعدد الأسطر (14)، مقاس 26: 19، وقد ووهم الدكتور عبدالله الرحيلي في رسالته للدكتوراه (1) فذكر المخطوطة باسم رباعيات الإمام محمد بن إدريس الشافعي وليس كذلك فإنَّه الإمام محمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عبد ربه أبو بكر الشافعي كما تقدم.
3. فوائد أبي علي حامد بن محمد الهروي، انتخاب الدارقطني، وهو من مخطوطات المكتبة الظاهرية تقع في 25 ورقة (5أ _ 30أ) ضمن مجموع رقم (45).
4. كتاب الأسخياء والأجواد، الأصل في مكتبة خدابخش بتنه (بانكيبور) الهند، وتوجد مصورة ورقية في مكتبة المخطوطات بمكتبة المسجد النبوي الشريف، حديث، وتقع في 16 ورقة ضمن مجموع رقم (82)، عدد الأسطر 17 مقاس 30: 21، بخط نسخي معتاد، والنسخة بها طمس وسواد كثير لسوء التصوير.
5. أمالي المحاملي تصنيف أبي الحسن الدارقطني، وهو من مخطوطات الظاهرية، وله مصور ورقي في مكتبة المخطوطات بمكتبة المسجد النبوي الشريف، حديث ويقع في 3 أوراق (82أ _ 84ب) ضمن مجموع رقم (80)، عدد الأسطر 17 مقاس 42: 30 بخط نسخي معتاد.
_________
(1) عبدالله بن ضيف الله الرحيلي، الإمام الدارقطني وكتابه السنن (رسالة دكتوراه غير منشورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) ص:180 - 233 من رسالته).
(1/41)
6. فضائل الصحابة ومناقبهم، الأصل في المكتبة الظاهرية، وتوجد مصورة منها في مكتبة المخطوطات بمكتبة المسجد النبوي الشريف، حديث، وتقع في 13 ورقة (44 - 57) ضمن مجموع رقم 188، عدد الأسطر (18) مقياس 28: 21، الناسخ محمد بن حمزة بن عمر، بخط نسخي جيد، وتوجد مصورة منه في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية برقم 45950 الحديث وعلومه.
7. الأحاديث التي رواها الإمام مالك عن الزهري، وتوجد مصورة منها في مكتبة المخطوطات بمكتبة المسجد النبوي الشريف، حديث، وتقع في 16 ورقة (28أ-44ب) ضمن مجموع رقم 34 عدد الأسطر (20) مقياس 30: 20، الناسخ عيسى محمد الجير سنة 995هـ بخط نسخي جيد.
8. أحاديث الكناني برواية الصيرفي أبي الحسين محمد، الأصل في مكتبة الأسد الوطنية، من مخطوطات القرن السادس الهجري، عدد أوراقه 13ق، وتوجد مصورة منه في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية عدد أوراقه 13ق حديث.
9. جزء فيه من أخبار عمرو بن عبيد بن باب البصري المعتزلي وكلامه في القرآن وإظهار بدعته الأصل في المكتبة الظاهرية عدد أوراقه 9 ق، توجد مصورة منه في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية برقم (23486) عدد أوراقه 9ق، العقائد.
10. معاني الأخبار المسمى بحر الفوائد، الأصل في مكتبة الغازي خسروبيك، سراييفوا البوسنة والهرسك، وتوجد مصورة منه في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية برقم (6530) الحديث وعلومه.
11. جزء في زواج أبي العاص بن الربيع، الأصل في مكتبة الأسد الوطنية عدد أوراقه 8 ق، توجد مصورة منه في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية بمجموع رقم: (20287/ 17) عدد أوراقه 8 ق (284 - 290)، متون الحديث وشروحها.
(1/42)
12. الأربعون حديثا، الأصل في مكتبة تشستربيتي دبلن ايرلندا عدد أوراقه 39 ق، الناسخ: يونس بن حلاج الحسني، وتوجد مصورة في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية بمجموع رقم: (20436/ 3) عدد أوراقه 39ق (136 - 174) متون الحديث وشروحها.
13. حديث أبي عمر محمد بن العباس بن حيويه ـ الجزء (3 , 5 , 6)، مكتبة الأسد الوطنية، وتوجد مصورة في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية، عدد أوراقه 6 ق، متون الحديث وشروحها.
14. عشرة أحاديث منتخبة من الجزء (13) من الفوائد المنتقاة في الأموال، الأصل في مكتبة الأسد الوطنية عدد أوراقه 3 ق، وتوجد مصورة في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية.
15. الفوائد المنتخبة العوالي، الأصل في مكتبة تشستربيتي دبلن ايرلندا، هي من مخطوطات القرن السادس الهجري، وتوجد مصورة في مكتبة وزارة الأوقاف الكويتية، عدد أوراقه 28 ق، متون الحديث وشروحها.
ثانياً المطبوعات:
1. كتاب العلل الواردة في الأحاديث النبوية مطبوع دار طيبة، الرياض عام 1405هـ، وسيأتي ضمن فصل مُنفرد قريباً، وقد لخصه الإمام شمس الدين محمد السخاوي، وسماه: بلوغ الأمل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل (1).
2. التتبع والإلزامات: طبعا بتحقيق الشيخ مقبل هادي الوادعي، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة
3. سؤالات أبي عبد الله بن بكير له: مطبوع بدار عمان بالأردن عام 1408هـ.
4. كتاب الضعفاء والمتروكين: المكتب الإسلامي بيروت، سنة 1994م تحقيق محمد الصباغ.
_________
(1) إسماعيل بن إبراهيم العظم باشا البغدادي (ت: 1144هـ)، إيضاح المكنون طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، سنة 1314هـ (ج1/ص 195).
(1/43)
5. المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال: دار الغرب بيروت سنة 1986م، تحقيق موفق عبدالقادر.
6. ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته: طبع دار الفكر بيروت، وطبع مؤسسة الكتب الثقافية بيروت تحقيق كمال الحوت.
7. الأحاديث التي خولف فيها الإمام مالك: طبع مكتبة الرشد الرياض سنة 1997م، تحقيق: خالد الجزائري.
8. رؤية الله - جل وعلا: مكتبة القرآن القاهرة تحقيق مبروك إسماعيل سنة 2001م
9. الأخوة والأخوات: دار الراية الرياض عام 1413هـ، تحقيق: د. باسم فيصل.
10. فوائد أبي علي محمد الصواف انتقاء الدارقطني: دارالعاصمة بالرياض 1408هـ
11. السنن: مطبوع عدة طبعات. منها طبعة دار المحاسن، القاهرة، سنة 1386هـ تحقيق السيد عبدالله هاشم يماني المدني.
12. سؤالات الحاكم له: مطبوع عدة طبعات.
13. سؤالات السلمي له: طبع دار العلوم، الرياض، تحقيق: د. سليمان آتش.
المبحث السابع: دراسات علمية حول بعض مؤلفاته.
قام جمع من العلماء بتلخيص بعض مؤلفات الدارقطني وآخرون قاموا بتقديم أطروحات علمية منها:
- مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني: رسالة دكتوراه، عبدالله بن حسن دمفو، مطبوعة في مكتبة الرشد، الرياض سنة 1418 هـ.
- الأجوبة عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج: لإبراهيم بن محمد أبو مسعود الدمشقي، تحقيق إبراهيم بن علي آل كليب، طبع دار الوراق، الرياض سنة 1419هـ.
(1/44)
- تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني: لأبي بكر الغساني، تحقيق أشرف بن عبدالمقصود طبع في دار عالم الكتب، الرياض سنة 1411 هـ.
- أحاديث أبي إسحاق السبيعي التي ذكر الدارقطني فيها اختلافاً في كتابه العلل: رسالة دكتوراه، د. خالد محمد باسمح، كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية سنة 1423 هـ.
- مرويات الإمامين قتادة بن دعامة ويحيي بن أبي كثير المعلة في كتاب العلل: للإمام الدارقطني، رسالة دكتوراه كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية سنة 1424 هـ، عادل عبد الشكور الزرقي.
- أحاديث الصفات: طبع بتحقيق الشيخ عبدالله الغنيمان، نشرته مكتبة الدار ثم طبع بتحقيق الدكتور علي ناصر الفقيهي سنة 1403 هجرية.
- الرؤية: رسالة سليم الأحمدي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لنيل درجة الدكتوراه.
- سؤالات البرقاني للدارقطني: رسالة خليل حسن حمادي في جامعة الإمام محمد بن سعود لنيل درجة الماجستير سنة 1403 هـ.
- تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان البستي: تحقيق خليل بن محمد العربي، طبع دار الكتاب الإسلامي سنة 1414هـ.
- كتاب الضعفاء والمتركون للدارقطني: رسالة ماجستير، جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، تحقيق عبد الرحيم محمد القشقري سنة 1401هـ.
(1/45) ===

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

2121-من 8 - من كتاب الجنائز ابن القيم

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها 8 - من كتاب الجنائز 1- باب في الغسل من غسل الميت 62- (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ر...