الجمعة، 7 يناير 2022

سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي


سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي
الحديث الأوّل: باب ما يقول إذا دخل الخلاء، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
1/11 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر
(1/223)
قال أبو عيسى الترمذي -رحمه الله تعالى-: حدّثنا قتيبة وهناد قالا: حدّثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاءصلى الله عليه وسلم1 قال: "اللهم إني أعوذ بك –قال شعبة: وقد قال مرة أخرى: أعوذ بك- من الخبْث والخبيث أو: الخبُث والخبائث"2 3.
__________
1 بفتح الخاء والمد موضع قضاء الحاجة، سمي بذلك لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة وهو الكنيف، والحش، والمرفق، والمرحاض أيضاً، وأصله المكان الخالي، ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك. ا?. قاله العيني في "عمدة القارئ" 1/699.
2 "الخبث" الأولى -بإسكان الباء الموحدة والثانية بضمها- هكذا ضبطه ابن حجر في فتح الباري فيما وقع في رواية الترمذي هنا وغيره، وقال الخطابي: "الخبُث -بضم الباء:- جماعة الخبيث. والخبائث: جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم. وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث، ساكنة الباء وهو غلط، والصواب الخبُث مضمومة الباء وقال ابن الأعرابي: أصل الخبث في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار" ا?. وتعقب بأن هذا الذي غلطهم فيه ليس بغلط، وأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب ورسل ورسل. قال النووي: واختلف الذين رووه ساكن الباء في معناه فقيل الخبث: الشر، وقيل الكفر، وقيل الشيطان. والخبائث المعاصي، ثم ساق قول ابن الأعرابي (معالم السنن للخطابي 1/10 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود وشرح صحيح مسلم للنووي 4/70 والمجموع له 2/74 وفتح الباري لابن حجر 1/243 وتعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي 1/10) .
3 أخرجه البخاري في "صحيحه" 1/242 مع فتح الباري ومسلم في "صحيحه" 4/70 بشرح النووي وأبو داود في "سننه" 1/21 مع عون المعبود والنسائي في "سننه" 1/20 بشرح السيوطي (زهر الربى) وحاشية السندي وابن ماجه في "سننه" 1/109 رقم الحديث (298) والدارمي في "سننه" 1/136 وابن الجارود في "المنتقى"/20 وابن حبان في "صحيحه" (انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/490) والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/95
(1/225)
كلام الترمذي على هذا الحديث
قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي، وزيد بن أرقم، وجابر، وابن مسعود1.
__________
1 أ- حديث علي رضي الله عنه أخرجه الترمذي في "سننه" 2/503، 504 بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر (426) باب ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا الحكم ابن بشير بن سلمان، حدثنا خلاد الصفار عن الحكم بن عبد الله النصري عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله". قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي، وقد روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء في هذا" ا?. وأخرجه أيضاً ابن ماجه في سننه 1/109 رقم الحديث (297) بهذا السند، وذكر المناوي في "فيض القدير" 4/96 تبعاً للسيوطي في الجامع الصغير أنه أخرجه أحمد في "مسنده"، وكذا ذكر المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/228 أن أحمد أخرجه في "مسنده"، ولعله تبع السيوطي أيضاً، وانظر "كنز العمال" 9/209 فإن فيه العزو لأحمد أيضاً. وقد بحثت عنه في مسند علي من مسند أحمد فلم أعثر عليه
(1/226)
...........................................................................................................
__________
فيه، ثم رأيت أحمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث من سنن الترمذي 2/504 ذكر أنه بحث عنه فلم يجده في المسند. وعن درجة الحديث فقد صرّح أحمد شاكر بمخالفته للترمذي في حكمه على هذا الحديث. وذهب إلى أنه حديث حسن إن لم يكن صحيحاً. قال: وقد ترجمنا رواته وبيّنا أنهم ثقات وشاهده الحديث الذي أشار إليه الترمذي عن أنس. قال: وحديث أنس هذا ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/205 بلفظ: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله". وقال: أي الهيثمي "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما: فيه سعيد بن مسلمة الأموي ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن حبان، وابن عدي. وبقية رجاله موثقون" ا?. قال أحمد شاكر: فهذا شاهد لا بأس به لحديث الباب. ا?. وأحمد شاكر فيما ذكره عن المباركفوري من كونه نقل عن المناوي أنه صحح الحديث بهذا الإسناد لم يورد تعقيب المباركفوري عليه، مما يفهم منه أنه مقر له فيما قاله؛ وإزالة للبس أحببت التنبيه على ذلك، وذكر ما عقب به المباركفوري على المناوي مقراً الترمذي في حكمه على هذا الحديث، قال: قلت: إسناد الترمذي ليس بصحيح كما صرّح به بقوله: "وإسناده ليس بذاك" أي ليس بالقوي؛ لأن محمد بن حميد الرازي شيخ الترمذي ضعيف. ا?. وكذا أقرّ الترمذي ناصر الدين الألباني، فإنه لما نقل صاحب "مشكاة المصابيح" 1/116 قول الترمذي ذلك قال الألباني معلقاً عليه: وهو كما قال لكن الحديث صحيح له شواهد ذكرتها في إرواء الغليل رقم (8) ا?. انظر "المطالب العالية" 1/16 فإن فيه شاهد الحديث على هذا من حديث أبي سعيد الخدري رفعه.
والحاصل أن إسناد هذا الحديث غير قوي وفيه علل غير ابن حميد، ليس هذا موضع تبيينها، أظهرها عنعنة أبي إسحاق وهو السبيعي عمرو بن عبد الله فإنه من المدلسين الذين لا تقبل أحاديثهم، ما لم يصرحوا بالتحديث أو السماع
(1/227)
قال أبو عيسى: حديث أنس أصحّ شيء في هذا الباب وأحسن.
كلام الترمذي على حديث زيد بن أرقم*
قال أبو عيسى: وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب*:
__________
إلا مع شعبة فإنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة وذكره منهم كما سيأتي.
ب- وحديث زيد بن أرقم لفظه هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث" سيأتي من أخرجه، وسيأتي الكلام عليه.
وقوله: "إن هذه الحشوش" يعني الكنف ومواضع قضاء الحاجة الواحد حَش بالفتح وأصله من الحَشّ: البستان؛ لأنهم كانوا كثيراً ما يتغوطون في البساتين (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/390) وانظر تاج العروس 17/146.
وقوله "محتضرة" أي يحضرها الجن والشياطين (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/390) .
ج- وحديث جابر بحثت عنه جهدي فلم أظفر به.
د - وحديث ابن مسعود هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" ذكر العيني في "عمدة القارئ" 1/699 أن الإسماعيلي أخرجه في "معجمه" بسند جيد.
(1/228)
روى هشام الدستوائي1 وسعيد بن أبي عروبة2 عن قتادة3 فقال سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني4، عن زيد بن أرقم5. وقال هشام الدستوائي: عن قتادة، عن زيد بن أرقم6.
__________
1 هشام بن أبي عبد الله سنبر -بمهملة ثم نون ثم موحدة وزن جعفر- أبو بكر الدستوائي -بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد- ثقة ثبت، وقد رمي بالقدر من كبار السابعة، روى له الجماعة. مات سنة أربع وخمسين أي ومائة وله ثمان وسبعون سنة. (تقريب التهذيب 2/319)
2 سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة، حافظ، له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، روى له الجماعة. مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين أي ومئة، (المصدر السابق 1/302) .
3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
4 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
5 رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (انظر تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي 2/200) وابن ماجه في "سننه" 1/108 رقم الحديث (296) وأحمد في "مسنده" 4/373 وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/1 وابن حبان في "صحيحه" انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/491 وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان/61) والحاكم في "المستدرك" 1/187 وأبو يعلى في "مسنده" ج6 ورقة 162 والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 13/301 عند "ترجمة نصر بن علي بن علالة".
6 رغم ما بذلت من جهد فإني لم أقف على من أخرج هذه الرواية غير الترمذي.
(1/229)
ورواه شعبة1، ومعمر2 عن قتادة، عن النضر بن أنس3: فقال شعبة: عن زيد بن أرقم4. وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه5 عن
__________
1 شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثقة، حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتّش بالعراق عن الرجال وذب عن السنّة، وكان عابداً من السابعة مات سنة ستين أي ومئة، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/351) .
2 معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت، والأعمش، وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدّث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين أي ومئة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، روى له الجماعة (المصدر السابق 2/266) .
3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
4 أخرجه الترمذي في "العلل الكبير" ورقة 3 وأبو داود في "سننه" 1/29 والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (انظر تحفة الأشراف بمعرفة الطراف للمزي 2/200) وابن ماجه في "سننه" 1/108 رقم الحديث (296) وأحمد في "مسنده" 4/333، 369 وأبو داود الطيالسي في "مسنده"/93-94 (وانظر منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 1/45-46) وابن خزيمة في "صحيحه" 1/38 وابن حبان في "صحيحه" (انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/491 وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 62) والحاكم في "المستدرك" 1/187 والبيهقي في "السنن الكبرى" من طريق أبي داود الطيالسي 1/96 وأبو يعلى في "مسنده" 6/ورقة162 والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 4/287 عند ترجمة أحمد بن محمد بن زنجويه.
5 هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين، وقد جاوز المئة، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/84) ، وانظر: الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 1/71.
(1/230)
النبي صلى الله عليه وسلم 1.
قال أبو عيسى: سألت محمداً عن هذا؟ فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً.
تصوير الاضطراب على ما ذكره الترمذي
حكم الترمذي على هذا الحديث بالاضطراب في إسناده ثم بيّن هذا الاضطراب، فساق وجوه الاختلاف فيه على قتادة.
والمتأمل في هذا الاضطراب يتبيّن موطنه، وأنه ينحصر في موضعين:
الأول: في تعيين الصحابي.
الثاني: في تعيين الواسطة بين قتادة والصحابي وفي عدمها.
فبالنسبة للصحابي هل هو زيد أو أنس؟ ففي رواية سعيد بن أبي
__________
1 قال المزي في تحفة الأشراف 2/202 في الزيادات ورواه إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن أنس بن مالك ا?. وقد بحثت عنه في مصنف عبد الرزاق، وفي كتاب الجامع الذي في آخر المصنف، إلا أنني لم أعثر عليه. وانظر: "آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان"/24 فقد عزاه لعبد الرزاق في "جامعه" من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخلها أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
(1/231)
عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة: الصحابي "زيد". وفي رواية معمر: الصحابي "أنس".
أما عن الواسطة وتعيينها؛ فالواسطة في رواية سعيد: "القاسم بن عوف الشيباني"، وفي رواية شعبة ومعمر: "النضر بن أنس".
وقد خلت رواية هشام من واسطة إذ فيها "قتادة عن زيد" من غير واسطة.
موقف الترمذي من هذا الاضطراب
الذي يشير إليه صنيع الترمذي أنه أقرّ الاضطراب، واكتفى بذكره حيث لم يرجح، أو يوفق بين الروايات، مما يكون معه إزالة هذا الاضطراب والقضاء عليه، وحتى بعد أن استمع إلى رأي شيخه البخاري ظل محتفظاً بموقفه، مما يدل على أنه مقتنع به.
موقف البخاري من هذا الاضطراب
يتمثل موقف البخاري من هذا الاضطراب فيما نقله الترمذي عنه، فإن الترمذي لما سأله عن هذا الاضطراب مستطلعاً رأيه، أجابه بأنه يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً.
المراد بالضمير في قول البخاري عنهما
وعن المراد بالضمير في قول البخاري "عنهما"، يرى المباركفوري إرجاعه إلى القاسم، والنضر بن أنس، وأن هذا هو الصواب، وأما إرجاعه
(1/232)
إلى زيد ابن أرقم، والنضر بن أنس فخطأ، وقد شفع رأيه هذا بنقولات عن البيهقي، والعيني، والسيوطي، وصاحب غاية المقصود، واستشهد بها على ما ذهب إليه فقال1:"قال العلامة أبو الطيب في "غاية المقصود": أي يحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنضر بن أنس، كما صرّح به البيهقي2، وأخطأ من أرجع الضمير من "محشي الترمذي" إلى زيد بن أرقم، والنضر ابن أنس" ا?.
قلت –القائل المباركفوري-: "الأمر كما قال أبو الطيب إرجاع ضمير "عنهما" إلى القاسم، والنضر بن أنس هو الحق".
وأما إرجاعه إلى زيد بن أرقم، والنضر بن أنس فخطأ، قال العيني3: قال الترمذي: حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب، وأشار إلى اختلاف الرواية فيه، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني، والنضر بن أنس عن أنس4، ولم
__________
1 تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي 1/45.
2 السنن الكبرى 1/96.
3 عمدة القارئ شرح صحيح البخاري 1/697.
4 وضع المباركفوري هنا تنبيهاً حيث قال: "تنبيه: قول البخاري المذكور في كلام العيني: "لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس" مخالف لقوله المذكور في كلام البيهقي بلفظ: "لعل قتادة سمع منهما جميعاً عن زيد ابن أرقم"، والظاهر عندي أن لفظ "عن أنس" المذكور في كلام العيني سهو من الناسخ فتأمل" ا?. قلت: بل لفظ "عن أنس" المحقق أنه سهو؛ لأن الذي في العلل الكبير ورقة 3 عن زيد كما هو نقل البيهقي.
(1/233)
يقض فيه بشيء. ا?. إلى أن قال: قال السيوطي1: " ... قال البيهقي في "سننه2" ... قال أبو عيسى3: قلت لمحمد –يعني البخاري- أي الروايات عندكم أصحّ؟ فقال: لعل قتادة سمع منهما جميعاً عن زيد بن أرقم، ولم يقض فيه بشيء" ا?.
قال المباركفوري: "فثبت من هذا كله أن إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق والصواب" ا?.
والذي أوقع هذا الاختلاف، ودعا إلى بحثه هو أن الضمير "عنهما" في كلام البخاري محتمل عوده إلى القاسم والنضر –على رأي بعضهم- ومحتمل عوده إلى زيد، والنضر- على رأي البعض الآخر؛ إذ قتادة4 –حسب ظاهر الروايات- يروي عن الثلاثة، القاسم، والنضر، وزيد إلا أن مما يقوّي ما ذهب إليه المباركفوري، وأكد عليه من إرجاع الضمير إلى القاسم والنضر هو أن قتادة عن زيد مرسل. قال الحاكم5:"لم يسمع قتادة عن صحابي غير أنس" ا?.
__________
1 مرقاة الصعود شرح سنن أبي داود مصور "بالمايكروفيلم" لم ترقم صفحاته.
2 1/96.
3 العلل الكبير للترمذي ورقة 3.
4 قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت يقال: ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة مات سنة بضع عشرة أي ومئة روى له الجماعة (تقريب التهذيب 2/123) وانظر في مصادر ترجمته "تهذيب التهذيب" 8/351 و"تذكرة الحفاظ" 1/122 و"الجرح والتعديل" 3/2/133 "ميزان الاعتدال" 3/385.
5 معرفة علوم الحديث/111 وما ذكره الحاكم هنا هو الصحيح إن شاء الله؛ لأنه ذكر في "المستدرك" 1/186 أن قتادة سمع من جماعة من الصحابة، ولم يبين من هم، ولا يخفى أنه مع هذا الإبهام لا يدري هل زيد منهم أو لا؟ وعلى فرض أنه منهم فإن القول الأول هو الصحيح؛ إذ مؤيد بقول الإمام أحمد وأبي حاتم.
(1/234)
وذكر ابن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل مثل ذلك، فقال في المراسيل1: "أخبرنا حرب بن إسماعيل –فيما كتب إلي- قال: قال أحمد ابن حنبل: ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي الله عنه. قيل: فابن سرجس؟ 2 فكأنه لم يره سماعاً".
قال في الجرح والتعديل3: سمعت أبي يقول: لم يلق قتادة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنساً، وعبد الله بن سرجس.
فهذا يفهم منه أن روايات قتادة عن الصحابة –بما فيهم زيد- مرسلة باستثناء أنس، أما ابن سرجس فمحل اختلاف كما لا يخفى.
وقد ذكر كل من ابن أبي حاتم، والعلائي، وابن حجر، جماعة من الصحابة، وأيضاً من غيرهم الذين أرسل عنهم قتادة.
__________
1 /168 بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني. وانظر "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/610 نسخة بالآلة الكاتبة مقدمة لنيل الماجستير بمكة "وتهذيب التهذيب" 8/355.
2 عبد الله بن سرجس (بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة) المزني حليف بني مخزوم صحابي، سكن البصرة، روى له مسلم والأربعة. (تقريب التهذيب) 1/418 وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/315.
3 3/2/133.
(1/235)
ويساعد على عدم سماع قتادة من زيد أن ولادة قتادة سنة 61?، ووفاة زيد مختلف فيها من سنة 65? إلى سنة 68?. فعلم مما تقدم أن رواية قتادة عن زيد مرسلة.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المستبعد أن يكون البخاري لم يلاحظ ذلك في جوابه، فعليه لم يبق إلا إرجاع الضمير إلى القاسم والنضر، وهذا –في نظري- هو الذي يتفق ودقة البخاري المعروفة عنه، ويتفق وموقفه من هذا الاضطراب واجتهاده في إزالته.
ولو حصل أن قلنا بإرجاع الضمير إلى زيد بدل القاسم تكون رواية قتادة عن القاسم بحاجة إلى جواب، خاصة والقاسم عرف بهذا الحديث حتى قيل1: "اشتهر القاسم بن عوف بحديث "الحشوش محتضرة" عن زيد بن أرقم" ا?.
إذن إرجاع الضمير إلى زيد بدل القاسم يعكر الجمع بين الروايات الذي قصده البخاري، وتطلع إليه في دفع هذا الاضطراب، ومخالف لما أجاب به في العلل الكبير كما نقله عنه الترمذي.
وصف لإجابة البخاري
تتسم إجابة البخاري بالقوة العلمية، والحدب على السنّة النبويّة في إثبات ما يمكن إثباته، وإلغاء ما يمكن إلغاؤه.
__________
1 القائل ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال مصور ج4 صفحة 5.
(1/236)
وهي –وإن كانت خالية من الجزم؛ لأنها مبنيّة على الحيطة والتحري والتحفظ- مهمة، وذات قيمة في رفع الاضطراب، وإنقاذ الموقف إلى حدّ بعيد، لا يستغني عنها في هذا الحال وهذا المقام.
هل يندفع بإجابة البخاري الاضطراب من كل وجه؟
وعن رفع الاضطراب بإجابة البخاري هذه يرى المباركفوري: أنه لا يندفع الاضطراب بها من كل وجه، ثم دفعه هو بما أورده فقال1:
"فإن قلت: لا يندفع الاضطراب من كل وجه بقول البخاري، فيحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً.
قلت: نعم، إلا أن يقال: أن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم، وروى عن زيد بن أرقم من غير واسطة.
وأما رواية معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فوهم كما صرّح به البيهقي2، والله تعالى أعلم" ا?.
__________
1 تحفة الأحوذي 1/46.
2 السنن الكبرى 1/96 قال: "قال الإمام أحمد: وقيل عن معمر عن قتادة عن النضر ابن أنس عن أنس وهو وهم" ا?. (قال الدارقطني في "العلل": معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش "وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت يحيى بن معين قال: قال معمر: "جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه الأسانيد") شرح علل الترمذي لابن رجب/365 وفيما ذكره ابن أبي خيثمة عن ابن معين بيان السبب لما قاله الدارقطني في معمر بالنسبة لحديث قتادة، وذلك يقوي ما نقل عن أحمد، وجاء في تهذيب التهذيب 10/245 عند ترجمة معمر أن ابن أبي خيثمة قال: "سمعت يحيى ابن معين يقول: "إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري، وابن طاوس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا" ا?. ومعلوم أن قتادة بصري.
(1/237)
كان هذا هو موقف المباركفوري من إجابة البخاري. وأقول: فإنه ليس هناك ما يمنع من حملها على دفع الاضطراب من كل وجه، وإن عدم تعرض البخاري لرواية معمر بالذكر إهدار لها وإقصاء، وهذا أبلغ إجابة عنها خاصة وما قيل فيها من أنها وهمٌ منقول عن شيخه أحمد ابن حنبل فلا يستبعد إطلاعه عليه.
وأما ما بقي وهو ما تحتمله إجابة البخاري فهو –كما قال المباركفوري- أن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم، وروى عن زيد بن أرقم من غير واسطة أي مرسلا.
النتيجة
وبعد فقد رأيتَ كيف أن الترمذي يقرر الاضطراب، ويثبته، وكيف أن غيره يرفعه.
وسواء اندفع الاضطراب من كل وجه بقول البخاري أو بقول غيره، فإني بعد ذلك أتخيّر رواية شعبة من بين الروايات، وأقدمها على غيرها وغيرها –بعد إسقاط رواية معمر وإطراحها؛ لأنها وهم كما مرّ-
(1/238)
رواية هشام عن قتادة عن زيد، ورواية سعيد عن قتادة عن القاسم عن زيد، فهاتان الروايتان ورواية شعبة هي الروايات التي أمكن الجمع بينها، ومع ذلك يلوح لي أن رواية شعبة أميز رواية وأصحّ، وأنها سيدة هذه الروايات فلذلك جعلتها العمدة وجعلت غيرها يرجع إليها، وهذا مني بناء على الأمور الآتية:
سبق أن عرف أن قتادة في رواية هشام روى عن زيد مرسلا بلا واسطة، وروى عنه في روايتي سعيد وشعبة بواسطة القاسم والنضر. ومعنى هذا أن رواية هشام ترجع إلى روايتي سعيد وشعبة، وبإرجاعها إلى ما ذكر يتحصّل لدينا روايتان هما: روايتا سعيد وشعبة.
وبالمقارنة بينهما يتضح أن رواية شعبة أصحّ من رواية سعيد لأن الأخيرة فيها قتادة يروي بالعنعنة بينه وبين القاسم، وهذا عدا الكلام الذي قيل في القاسم.
وعنعنة قتادة لا تقبل لأنه مدلس سرده العلائي في أسماء المدلسين، وقال: "قتادة بن دعامة السدوسي أحد المشهورين بالتدليس1" وأورده البرهان الحلبي في التبيين في أسماء المدلسين2 وابن حجر في طبقات المدلسين3 في أهل المرتبة الثالثة الذين لا
__________
1 جامع التحصيل في أحكام المراسيل 1/193 أو 2/610.
2 /14.
3 /11 نسخة بالآلة الكتابة.
(1/239)
تقبل رواياتهم ما لم يصرّحوا بالتحديث أو السماع، وقد قال: "هو مشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره" ا?.
وأما ما يتعلق بالقاسم وما قيل فيه: فالقاسم هذا كما قال الذهبي1:"مختلف فيه وفي حاله"، ضعّفه شعبة2 والنسائي3، وقال أبو حاتم: "مضطرب الحديث، ومحله عندي الصدق4"، وقال ابن عدي5:" ... وهو ممن يكتب حديثه" ا?.
هذا وقد روى له مسلم في صحيحه، فذكر الخزرجي6 أن له في مسلم فرد حديث.
قال الدكتور نور الدين عتر في تعليقه على المغني7 للذهبي: "له عند مسلم حديث صلاة الأوّابين"8.
__________
1 ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3/375 والمغني في الضعفاء 2/520 والكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 2/392.
2 انظر "الجرح والتعديل" 3/2/115 و"الكامل" ج4 صفحة 5 و"تهذيب التهذيب" 8/326.
3 انظر "تهذيب التهذيب" 8/326.
4 الجرح والتعديل 3/2/115.
5 الكامل ج4 صفحة 5.
6 خلاصة تذهيب تهذيب الكمال/313.
7 2/520.
8 ونصه كما رواه الإمام مسلم بإسناده إلى القاسم بن عوف الشيباني أن زيد بن أرقم رأى قوماً يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" ورواه أيضاً من طريق آخر إلى القاسم عن زيد بن أرقم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون، فقال: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" "صحيح مسلم" 6/29 بشرح النووي.
قال النووي 6/30 "ترمض": "هو بفتح التاء والميم يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارة بالشمس، أي حين تحترق إخفاف الفصال وهي: الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل من شدة حرّ الرمل ... والأواب: المطيع وقيل: الرجاع إلى الطاعة" ا?.
(1/240)
أما ابن حجر فإنه قال في تقريب التهذيب1: "القاسم بن عوف الشيباني، صدوق يغرب، من الثالثة، روى له مسلم، والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه".
وهل هذا الكلام في القاسم مؤثر أو غير مؤثر؛ نظراً لأن الذهبي أورده في جزء من تكلم فيه، وهو موثق أو صالح الحديث2، فإن عنعنة قتادة كافية في تقديم رواية شعبة على رواية سعيد هذه.
وعن حال قتادة في رواية شعبة فإن البيهقي قال في "المعرفة"3: روينا عن شعبة أنه قال: "كنت أتفقد فم قتادة فإذا
__________
1 2/118.
2 2/365 نسخة بالآلة الكاتبة محققة لنيل الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
3 انظر "طبقات المدلسين"/16.
(1/241)
قال ثنا، وسمعت حفظته، وإذا قال: حدّث فلان تركته" وقال: "كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش1 وأبي إسحاق2 وقتادة" ا?.
قال ابن حجر في كتابه "طبقات المدلسين"3 بعد أن نقل هذا عن البيهقي. قلت: "فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو كانت معنعنة" ا?.
وقال في "فتح الباري"4 "ورواية شعبة عن قتادة مأمون فيها من تدليس قتادة، لأنه كان لا يسمع منه إلا ما سمعه".
وقال البرديجي: "أصح الناس رواية عن قتادة: شعبة كان يوقف قتادة على الحديث" ا?.
قال ابن رجب5 الذي نقل هذا عنه: "لأن شعبة كان لا يكتب عن قتادة إلا ما يقول فيه حدثنا، ويسأله عن سماعه".
فانظر إلى ذلك مع ما وقع من تصريح قتادة في رواية شعبة بالسماع من النضر بن أنس، كما هو عند ابن خزيمة6، وابن
__________
1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
2 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.
3 /16.
4 1/58 باب حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان.
5 شرح علل الترمذي/363.
6 صحيح ابن خزيمة 1/38.
(1/242)
حبّان1، وغيرهما، أما النضر بن أنس2 فهو ثقة معروف الرواية عن زيد بن أرقم، لم ينقل فيه أنه لم يسمع منه، أو أنه مدلس.
أن الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال"3 في ترجمة القاسم بن عوف الشيباني، رجح رواية شعبة هذه، فإنه بعد أن نقل عن ابن عدي قوله: "اشتهر القاسم بن عوف بحديث الحشوش محتضرة عن زيد وهو من يكتب حديثه"، قال: "والأصح حديث قتادة عن النضر بن أنس بدل القاسم عن زيد" ا?.
أن ابن حجر اعتمد هذه الرواية ورجحها، فقال في "لسان الميزان"4 في ترجمة عدي بن أبي عمارة الذارع -وهو راوي الشاهد الآتي- قلت: "ومن أغلاطه أنه روى عن قتادة عن أنس في القول عند دخول الخلاء، وإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم، وقيل عن النضر بن أنس عن أبيه والأول أصح" ا?.
أن أبا داود روى في "سننه"5 رواية شعبة هذه مقتصراً عليها
__________
1 صحيح ابن حبان (انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) 2/491.
2 النضر بن أنس بن مالك الأنصاري أبو مالك البصري، ثقة من الثالثة، مات سنة بضع ومئة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/301) .
3 3/376.
4 4/160.
5 1/29.
(1/243)
وسكت عنها، وكأن هذا ترجيح منه، وتقديم لها على سائر الروايات.
وأما المنذري في "مختصر السنن"1 فإنه نقل كلام الترمذي على الحديث واعتمده، وقد أشار الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح2 أنه بيّن في "صحيح أبي داود" رقم (4) "لم يطبع" أن إسناده صحيح.
أنه أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه"3 من طريقين إلى شعبة واقتصر عليها، أما ابن حبّان فقد أخرجها في "صحيحه"4 هي ورواية سعيد، وقال: "الحديث مشهور عن شعبة وسعيد جميعاً وهو ما تفرد به قتادة" ا?. وكذلك فعل الحاكم5 فإنه أخرج حديث زيد هذا من طريقين: من طريق سعيد بن أبي عروبة، ومن طريق شعبة، ثم قال: "كلا الإسنادين من شرط الصحيح، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وإنما اتفقا على حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بذكر الاستعاذة فقط" ا?.
__________
1 1/16 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود.
2 1/116.
3 1/38.
4 انظر "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" 2/491 و"موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"/61-62.
5 المستدرك 1/187.
(1/244)
وقد أقره الذهبي على ذلك في مختصر المستدرك الذي مع المستدرك، قال ذلك الحاكم بعد أن أشار إلى الاختلاف فيه بقوله: "وهذا الحديث مختلف فيه على قتادة"، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم.
وقد كان لفظ رواية شعبة عند الحاكم: "إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أحدكم دخل الغائط، فليقل أعوذ بالله من الرجس النجس الشيطان الرجيم".
وممن أشار إلى الاختلاف في حديث زيد ورجح عليه حديث عبد العزيز ابن صهيب عن أنس بن مالك أبو زرعة، كما نقل ذلك عنه ابن أبي حاتم في "علل الحديث"1 قال: "سمعت أبا زرعة يقول: حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم في دخول الخلاء قد اختلفوا فيه، فأما سعيد بن أبي عروبة فإنه يقول: عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس أشبه عندي". ا?.
أن سعيد بن أبي عروبة رواه كرواية شعبة عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"2، عن
__________
1 1/17.
2 انظر: (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 2/200) .
(1/245)
مؤمل ابن هشام1، عن إسماعيل بن علية2، عن سعيد بن أبي عروبة.
شواهد الحديث
هناك شاهد للحديث على أوله رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"3 قال: حدثنا عبد الله4، وأبو يعلى5 قالا: حدثنا قطن بن نسير6، حدثنا عدي بن أبي عمارة
__________
1 مؤمل بوزن محمد –بهمزة- ابن هشام اليشكري -بتحتانية ومعجمة- أبو هشام البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة ثلاث وخمسين أي ومئتين، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي (تقريب التهذيب 2/290) .
2 إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري، المعروف بابن علية ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين أي ومئة، وهو ابن ثلاث وثمانين، روى له البخاري (المصدر السابق 1/66) .
3 /18.
4 عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الرحمن، ولد الإمام، ثقة من الثانية عشرة، مات سنة تسعين أي ومئتين، وله بضع وسبعون، روى له النسائي. (تقريب التهذيب 1/401) .
5 أحمد بن علي بن المثنى الموصلي صاحب المسند الكبير، قال عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ 2/707": الحافظ الثقة، محدث الجزيرة، ونقل ثناء العلماء عليه، ولد سنة 210 وتوفي سنة 307?.
6 في النسخة المطبوعة بين أيدينا وهي نسخة يقع فيها أغلاط وتحريفات كثيرة، "قطن بن بشير" وصوابه ما أثبته قطن بن نسير -بنون ومهملة- مصغراً: أبو عباد البصري، صدوق يخطئ، من العاشرة روى له مسلم، وأبو داود، والنسائي (تقريب التهذيب 2/126) .
(1/246)
الذراع1 قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله".
وقد أورد السيوطي في "الجامع الصغير"2 وعزاه لابن السني وفيه الرمز بصحته، وقد بيّن المناوي في "فيض القدير"3 خطأ هذا الرمز حيث قال: "رمز لحسنه" ا?.
وعرفنا فينا سبق أن ابن حجر يعد هذا الحديث من أغلاط عدي بن أبي عمارة الذارع، وقال: إنما الحديث هو عن قتادة عن زيد بن أرقم. وفي "كنز العمال"4 عزاه لابن السني إلا أنه جعله من مسند أبي هريرة بدل أنس وهذا وهم.
__________
1 في الأصل من النسخة المشار إليها عدي بن عمارة الدارع، وصوابه ما أثبته من "الجرح والتعديل" 3/2/4 عدي بن أبي عمارة الذارع -بالذال المعجمة- قال ابن أبي حاتم أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل "فيما كتب" إلي قال سمعت أبي يقول: "وقلت له: كيف عدي بن أبي عمارة الجرمي"؟ فقال: "هو شيخ. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عدي بن أبي عمارة فقال ليس به بأس" ا?.
2 6/352 مع فيض القدير.
3 6/352.
4 9/209.
(1/247)
وقد مضى حديث أنس بن مالك الذي رواه أصحاب الكتب الستة، والذي قال عنه الترمذي: "وحديث أنس أصحّ شيء في هذا الباب وأحسن"، وهو شاهد لحديث زيد على آخره.
(1/248) 
-------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

2121-من 8 - من كتاب الجنائز ابن القيم

ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها 8 - من كتاب الجنائز 1- باب في الغسل من غسل الميت 62- (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ر...